وهناك روايات ضعيفة لم يلتفت إليها المحققون، منها ما جزم به موسى بن عقبة بأنهم كانوا ألفا وستمائة، وما أخرجه ابن أبي شيبة عن سلمة بن الأكوع أنهم كانوا ألفا وسبعمائة، وما حكاه ابن سعد أنهم كانوا ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين، وما ذكره ابن إسحق أنهم كانوا سبعمائة، وعزا ابن دحية سبب الاختلاف في عددهم أن الذين ذكروا عددهم لم يقصدوا التحديد، وإنما ذكروا ذلك على وجه التقريب، مع الحدس والتخمين، وهذا القول غير معقول.
(وعمر آخذ بيده تحت الشجرة) في هذه الجملة دفع توهم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تأخر عن البيعة، أو لم يبايع إلا بعد أن بايع الناس، فقد روى البخاري أن عمر يوم الحديبية أرسل ابنه عبد الله ليحضر له فرسا له كان عند رجل من الأنصار، ليحارب قريشا عليه، ودخل فلبس لباس الحرب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع عند الشجرة، وعمر لا يدري بذلك، وجاء ابنه بالفرس، ونظر عمر فإذا الناس محدقون بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقال عمر لابنه: انظر ما شأن الناس قد أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فذهب، فوجدهم يبايعون، فبايع، ثم رجع إلى أبيه، فأخبره، فخرج عمر رضي الله عنه فبايع.
(وهي سمرة) بفتح السين وضم الميم وفتح الراء، أي شجرة عظيمة من شجر ترعاه الإبل، له شوك، صغر أو كبر.
(بايعناه على ألا نفر، ولم نبايعه على الموت) في الرواية الثانية "لم نبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت، إنما بايعناه على ألا نفر" وفي الرواية الثالثة عشرة، سئل سلمة "على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية؟ قال: على الموت" وفي الرواية الرابعة عشرة إيماء بأن المبايعة تحت الشجرة كانت على الموت، ففيها "هذا ابن حنظلة يبايع الناس. فقال: على ماذا؟ قال: على الموت. قال: لا أبايع على هذا أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم" ففيه إشعار بأنه بايع النبي صلى الله عليه وسلم على الموت، ولا تنافي بين قولهم: بايعوه على الموت، وبين قولهم: بايعوه على عدم الفرار، لأن معنى المبايعة على الموت المبايعة على أن لا يفروا ولو ماتوا، وليس المراد أن يقع الموت ولا بد، وهذا معنى نفي جابر للمبايعة على الموت في الرواية الأولى والثانية، وحاصل الجمع أن من أطلق أن البيعة كانت على الموت أراد لازمها، لأنها إذا بويع على عدم الفرار لزم أن يثبت، والذي يثبت إما أن يغلب، وإما أن يؤسر، والذي يؤسر إما أن ينجو، وإما أن يموت، ولما كان الموت لا يؤمن في مثل ذلك أطلقه الراوي، وحاصله أن أحدهما حكى صورة البيعة، والآخر حكى ما تئول إليه.
وجمع الترمذي بين النصين باحتمال أن البعض بايع على الموت، والبعض بايع على أن لا يفر.
(دعا النبي صلى الله عليه وسلم على بئر الحديبية) روى البخاري عن البراء رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة، والحديبية بئر [كذا قيل: إن الحديبية اسم بئر، سميت المنطقة كلها باسمه] فنزحناها [في الشرب وسقي الدواب] فلم نترك فيها قطرة، فبلغ ذلك صلى الله عليه وسلم [وفي رواية جابر "عطش الناس يوم الحديبية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة -إناء صغير أو دلو صغير من جلد، يشرب منه- فتوضأ منها، ثم أقبل الناس نحوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لكم؟ قالوا: يا رسول الله، ليس عندنا