للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هذا الأعرابي أن يكون شأنه شأنهم، فنصحه بما يحقق له فضل الهجرة من غير الهجرة، أي إن شأنها ولازمها ومتطلباتها شديدة عليك، لا تحتملها.

(فاعمل من وراء البحار) قال النووي: قال العلماء: المراد بالبحار هنا القرى، والعرب تسمى القرى البحار، والقرية البحيرة، اهـ. أي فاعمل بالشريعة الإسلامية في البادية، من وراء البلاد والقرى.

(فإن الله لن يترك من عملك شيئا) أي فإن الله لن ينقصك من ثواب أعمالك شيئا، حيثما كنت.

يقال: وتر فلانا حقه وماله، بفتح الواو والتاء، يتره بكسر التاء، إذا نقصه إياه، قال تعالى: {ولن يتركم أعمالكم} [محمد: ٣٥].

(فهل تحلبها يوم وردها؟ ) "تحلب" بضم اللام وكسرها، والورد بكسر الواو وسكون الراء، الوصول والبلوغ لماء سقيها، وكان العرب إذا اجتمعوا عند الماء حلبوا مواشيهم، وسقوا المحتاجين المجتمعين هناك من لبنها.

-[فقه الحديث]-

قال النووي: قال القاضي عياض: أجمعت الأمة على تحريم ترك المهاجر هجرته، ورجوعه إلى وطنه، وعلى أن ارتداد المهاجر من الكبائر.

واعتذر القاضي عن سلمة فقال: إن خروج سلمة إلى البادية إنما كان بإذن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولعله رجع إلى غير وطنه، أو لأن الغرض في ملازمة المهاجر المدينة، وفرض ذلك عليه إنما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لنصرته، وليكون معه. أو لأن منع المهاجر من الرجوع، والخروج من المدينة، واستيطان غيرها إنما كان قبل فتح مكة، فلما كان الفتح، وأظهر الله الإسلام على الدين كله، وأذل الكفر، وأعز المسلمين سقط فرض الهجرة.

أما حكم الهجرة إلى المدينة قبل فتح مكة فقد قال القاضي عياض: لم يختلف العلماء في وجوب الهجرة على أهل مكة قبل الفتح، واختلف في غيرهم، فقيل: لم تكن واجبة على غيرهم، بل كانت ندبا. ذكره أبو عبيد في كتاب الأموال، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر الوفود التي وفدت عليه قبل الفتح بالهجرة، وقيل: إنما كانت واجبة على من يسلم، لئلا يبقى تحت حكم الكفار.

قال الماوردي: إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار إسلام، فالإقامة فيها أفضل من الرحلة منها، لما يترجى من دخول غيره في الإسلام.

وقال الخطابي: كانت الهجرة -أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم- في أول الإسلام مطلوبة، ثم افترضت -لما هاجر إلى المدينة- إلى حضرته، للقتال معه، وتعلم شرائع الدين، وقد أكد الله ذلك في عدة آيات، حتى قطع الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر، فقال تعالى: {والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من

<<  <  ج: ص:  >  >>