وعند الترمذي والنسائي "إذا وجدت سهمك فيه، ولم تجد به أثر سبع، وعلمت أن سهمك قتله، فكل منه" قال الرافعي: يؤخذ منه أنه لو جرحه، ثم غاب، ثم جاء، فوجده ميتا، أنه لا يحل، وهو ظاهر نص الشافعي في المختصر، قال النووي: الحل أصح دليلا.
أما عدم الأكل مما وقع في الماء فقد بينت الرواية السابعة علة هذا الحكم، وهي التردد فيما قتل، أهو السهم؟ أم الغرق؟ قال النووي: إذا وجد الصيد غريقا في الماء حرم بالاتفاق، اهـ. فالحل بعد الغياب مبني على ما إذا علم أن سهمه هو الذي قتل.
والرواية التاسعة والعاشرة تجعل الغاية أن ينتن الصيد، وليس الغياب يومين أو ثلاثة، فلو وجده مثلا بعد ثلاث ولم ينتن حل، وإن وجده قبل الثلاث وقد أنتن فلا، هذا ظاهر الحديث، وقد حرم المالكية أكل اللحم النتن مطلقا، وقال النووي: إن النهي عن أكل اللحم النتن للتنزيه، لا للتحريم، وكذا سائر الأطعمة المنتنة، يكره أكلها، ولا يحرم، إلا أن يخاف منها الضرر خوفا معتمدا. قال: وقال بعض أصحابنا: يحرم اللحم المنتن مطلقا، وهو ضعيف.
٣ - أما آنية أهل الكتاب
فظاهر الرواية الثامنة "فإن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها، وكلوا فيها" ظاهر هذا أن جواز استعمال آنية أهل الكتاب موقوف على شرطين، أن لا يجد غيرها، وأن يغسلها، فإن وجد غيرها لم يجز استعمالها ولو غسلها، وإن لم يجد غيرها لا يجوز استعمالها قبل غسلها، وبهذا الظاهر قال ابن حزم.
والفقهاء يقولون: الأصل أن آنية أهل الكتاب وكذا المجوس طاهرة، حتى يثبت استعمالها في النجاسة، في الخمر والخنزير والذبائح المحرمة وغيرها، فإن سحبنا الحكم عليها جميعها مطلقا -كما قال بعض الفقهاء- فقد رجحنا الظن الغالب على الظن المستفاد من الأصل، وعليه فالمراد من آنية أهل الكتاب في الحديث جميعها، فمجهولة استعمالهم لها يكره استعمالها إذا وجد غيرها، ولا يرفع الكراهة غسلها، لا لأنها نجسة، ولكن لاستقذارها، وكونها معدة غالبا للنجاسات، كما يكره الأكل في المحجمة المغسولة، ورجح بعض العلماء الظن المستفاد من الأصل، فقالوا: إن الحكم للأصل، فهي طاهرة، حتى تتحقق النجاسة، وعليه فالمراد من آنية أهل الكتاب في الحديث آنيتهم التي كانوا يطبخون فيها لحم الخنزير، ويشربون فيها الخمر، كما صرح به في رواية أبي داود، وهذه الآنية يكره استعمالها إن وجد غيرها، ويجب غسلها، ولا تزول كراهة استعمالها بعد غسلها، لاستقذارها، وغسلها يطهرها، ويرى المالكية أن غسلها لا يطهرها، بل يتعين كسرها، كما جاء في كسر آنية الخمر على كل حال، والأمر بغسلها في الحديث لا لتطهيرها، بل رخصة للأكل فيها للضرورة، قالوا: لو كان الغسل مطهرا لها، لما كان للتفصيل في الحديث معنى، ورد هذا القول بأن التفصيل لا ينحصر في كون العين تصير نجسة، بحيث لا تطهر أبدا، بل يحتمل أن يكون التفصيل للأخذ بالأولى.