فإن الإناء الذي يطبخ فيه الخنزير يستقذر، ولو غسل، فالأمر بالغسل عند فقد غيرها دال على طهارتها بالغسل، والأمر باجتنابها عند وجود غيرها للمبالغة في التنفير عنها، كما في حديث "الأمر بكسر القدور التي طبخت فيها الميتة، فقال رجل: أو نغسلها؟ فقال: أو ذاك" فأمر بالكسر للمبالغة في التنفير عنها، ثم أذن في الغسل ترخيصا، فكذلك يتجه هذا هنا. والله أعلم.
٤ - ويستخرج على هذه النصوص ما يلي
أ- إباحة الاصطياد، قال النووي: وقد أجمع المسلمون عليه، وتظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة والإجماع، قال القاضي عياض: وهو مباح لمن اصطاد للاكتساب والحاجة، والانتفاع به بالأكل وثمنه، قال: واختلفوا فيمن اصطاد للهو، ولكن قصد تذكيته والانتفاع به، فكرهه مالك، وأجازه الليث وابن عبد الحكيم، فإن فعله بغير نية التذكية فهو حرام، لأنه فساد في الأرض وإتلاف نفس عبثا. اهـ.
وقال ابن المنير: الاشتغال بالصيد لمن هو عيشه به مشروع، ولمن عرض له ذلك، وعيشه بغيره مباح، وأما التصيد لمجرد اللهو فهو محل الخلاف.
وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيوان إلا لمأكلة، ونهى أيضا عن الإكثار من الصيد، فروى الترمذي من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعا "من سكن البادية فقد جفا، ومن اتبع الصيد فقد غفل، ومن لزم السلطان افتتن" وقال: حسن غريب، وأعله بعضهم بأحد رواته، لكن الإكثار من التصيد للهو كثيرا ما يشغل عن بعض الواجبات، وعن كثير من المندوبات.
ب- جواز اقتناء الكلب المعلم للصيد، وقد روى البخاري "من اقتنى كلبا، إلا كلبا ضاريا لصيد، أو كلب ماشية، فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان" واختلفوا في سبب نقصان الأجر، باقتناء الكلب، فقيل: لامتناع الملائكة من دخول بيته، وقيل: لما يلحق المارين من الأذى، وقيل: لما يبتلى به من ولوغه في الإناء عند غفلة صاحبه.
جـ- واستدل به على جواز بيع كلب الصيد، للإضافة في قوله "كلبك" وأجاب من منع بأنها إضافة اختصاص.
د- واستدل به على طهارة سؤر كلب الصيد، دون غيره من الكلاب، للإذن في الأكل من الموضع الذي قبض منه، ولم يذكر الغسل، ولو كان واجبا لبينه، لأنه وقت الحاجة إلى البيان، وقال بعض العلماء: يعفي عن معض الكلب، ولو كان نجسا، لهذا الحديث، وأجاب من قال بنجاسته بأن وجوب الغسل كان قد اشتهر عندهم وعلم، فاستغنى عن ذكره، قال الحافظ ابن حجر: وفيه نظر، وقد يتقوى القول بالعفو، لأنه بشدة الجري يجف ريقه، فيؤمن معه ما يخشى من إصابة لعابه موضع العض.
هـ- واستدل بقوله في الرواية الثانية "فكل مما أمسكن عليك" بأنه لو أرسل كلبه على صيد، فاصطاد غيره، حل للعموم الذي في قوله "ما أمسكن" وهذا قول الجمهور، وقال مالك: لا يحل، وهو رواية عن الشافعي.