قال النووي: أجمع المسلمون على أن الضب حلال، ليس بمكروه، إلا ما حكي عن أصحاب أبي حنيفة من كراهته، وإلا ما حكى القاضي عياض عن قوم أنهم قالوا: هو حرام، وما أظنه يصح عن أحد، وإن صح عن أحد فمحجوج بالنصوص وإجماع من قبله.
ثم قال "وفي الأحاديث تصريح بما اتفق عليه العلماء، من أن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم الشيء وسكوته عليه إذا فعل بحضرته، يكون دليلاً لإباحته، ويكون بمعنى قوله: أذنت فيه، وأبحته، فإنه لا يسكت على باطل، ولا يقر منكراً". اهـ
وقال الحافظ ابن حجر: المعروف عن أكثر الحنفية فيه كراهة التنزيه، وجنح بعضهم إلى كراهة التحريم، وقال الطحاوي في معاني الآثار، احتج محمد بن الحسن بحديث عائشة "أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم ضب، فلم يأكله، فقام عليهم سائل، فأرادت عائشة أن تعطيه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتعطينه ما لا تأكلين"؟ قال محمد: دل ذلك على كراهته لنفسه ولغيره، ويفهم من هذا أن محمد بن الحسن مال إلى أن الكراهة للتحريم، وقال بعض أتباعه: اختلفت الأحاديث، وتعذرت معرفة المتقدم، فرجحنا جانب كراهة التحريم تقليلاً للنسخ، قال الحافظ ابن حجر: ودعوى التعذر ممنوعة.
وتعقب الطحاوي الاستدلال بحديث عائشة على كراهة التحريم، فقال: ما في هذا دليل على الكراهة، لاحتمال أن تكون عافته، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يكون ما يتقرب به إلى الله إلا من خير الطعام، كما نهى أن يتصدق بالتمر الرديء. اهـ كما استدل له أيضاً بما أخرجه أبو داود من أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الضب، ورد بأنه ضعيف، قال الخطابي: ليس إسناده بذاك، وقال ابن حزم: فيه ضعفاء ومجهولون، وقال البيهقي: تفرد به إسماعيل بن عياش، وليس بحجة، وقال ابن الجوزي: لا يصح، كما استدل له أيضاً بأحاديث المسخ، روايتنا الرابعة عشرة والخامسة عشرة، وفي بعض رواياتها عند أبي داود "إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب من الأرض، فأخشى أن تكون هذه، فاكفئوها" وأخرجه أحمد وصححه ابن حبان والطحاوي، قال الطحاوي: ليس في الحديث الجزم بأن الضب مما مسخ، وإنما خشي أن يكون منهم، فتوقف عنه، وإنما قال ذلك قبل أن يعلم أن الممسوخ لا ينسل. قال الحافظ ابن حجر: وعلى تقدير ثبوت كون الضب ممسوخاً، فذلك لا يقتضي تحريم أكله لأن كونه آدمياً قد زال حكمه، ولم يبق له أثر أصلاً، وإنما كره صلى الله عليه وسلم الأكل منه، لما وقع عليه من سخط الله، كما كره الشرب من مياه ثمود.
قال الحافظ ابن حجر: والأحاديث الماضية -يقصد أحاديث البخاري ومسلم- وإن دلت على الحل تصريحاً وتلويحاً، نصاً وتقريراً، فالجمع بينها وبين هذا، حمل النهي فيه على أول الحال، عند تجويز أن يكون مما نسخ، وحينئذ أمر بإكفاء القدور، ثم توقف، فلم يأمر به، ولم ينه عنه، وحمل الإذن فيه على ثاني الحال، لما علم أن الممسوخ لا عقب له، ثم بعد ذلك كان يستقذره، فلا يأكله ولا يحرمه، وأكل على مائدته، فدل على الإباحة، وتكون الكراهة للتنزيه، في حق من يتقذره، وتحمل أحاديث