(إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت) أي إنما نهيتكم في العام الماضي لسبب خاص، وهو حضور البدو الفقراء يوم العيد، وحاجتهم إلى المواساة، فأردت أن تعينوهم.
(كلوا، وتزودوا، وادخروا)"تزودوا" اتخذوا من ضحاياكم زاداً لكم في الحضر والسفر.
(قال ابن جريج لعطاء: قال جابر: حتى جئنا المدينة؟ قال: نعم) أي سأل ابن جريج شيخه عطاء، الراوي عن جابر: هل قال جابر في روايته هذا الحديث "كلوا وتزودوا" من لحوم الأضاحي، فأكلنا وتزودنا بعد ثلاث، حتى قدمنا المدينة؟ وكان هذا الترخيص في حجة الوداع، وهذا معنى الرواية التاسعة "كنا نتزودها" -أي لحوم الأضحية في منى في الحج- "إلى" أن نصل إلى "المدينة". قال النووي: ووقع في البخاري "لا" بدل قوله هنا "نعم" فيحتمل أنه نسي في وقت، فقال: لا، وذكر في وقت، فقال: نعم.
(فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لهم عيالاً وحشماً وخدماً) يحتاجون لحوم الأضاحي بعد ثلاث، والحشم بفتح الحاء والشين، هم اللائذون بالإنسان، يخدمونه، ويقومون بأموره، وقال الجوهري: هم خدم الرجل ومن يغضب له، سموا بذلك لأنهم يغضبون له، والحشمة الغضب، وتطلق على الاستحياء أيضاً، ومنه قولهم: فلان لا يحتشم، أي لا يستحي، وكأن الحشم أعم من الخدم، فلهذا جمع بينهما في هذا الحديث، فهو من باب ذكر الخاص بعد العام.
(من ضحى منكم فلا يصبحن في بيته بعد ثالثة شيئاً) أي فلا يبقين شيئاً من الأضحية في بيته بعد ثالثة في رواية البخاري "فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء" أي بعد ليلة ثالثة من وقت الأضحية.
(فلما كان في العام المقبل) اسم كان ضمير، تقديره: فلما كان العيد، أو وقت الأضحية، أو الحال والشأن، ورواية البخاري "فلما كان العام المقبل" فكان تامة، وفاعلها "العام المقبل" أي فلما جاء العام المقبل.
(قالوا: نفعل كما فعلنا عام أول؟ ) في رواية البخاري "نفعل كما فعلنا العام الماضي"؟ أي في عدم بقاء شيء من أضحيتنا في بيوتنا بعد ثالثة؟ قال ابن المنير: سبب سؤالهم، مع أن النهي يقتضي الاستمرار، أنهم فهموا أن ذلك النهي ورد على سبب خاص، فلما احتمل عندهم عموم النهي أو خصوصه من أجل السبب سألوا.
(فقال: لا. إن ذاك عام كان الناس فيه بجهد) ومشقة، يقال: جهد عيشهم، أي نكد واشتد، وبلغ غاية المشقة، وفي رواية البخاري "فإن ذلك العام كان بالناس جهد".
(فأردت أن يفشو فيهم) أي فأردت أن يفشو لحم الأضحية في الناس المحتاجين، قال النووي: هكذا هو في جميع نسخ مسلم "يفشو" بالفاء والشين، أي يشيع لحم الأضاحي في الناس،