وقال ابن حزم: إنه شاهد من العصير ما لو طبخ إلى الثلث ينعقد ولا يصير مسكراً أصلاً، ومنه ما لو طبخ إلى النصف لا يصير مسكراً كذلك، ومنه ما لو طبخ إلى الربع كذلك، ثم قال: غير أنه شاهد منه ما لا ينفك عن السكر ولو لم يبق منه إلا الربع. اهـ
والتحقيق في هذه المسألة أن نطبق عليها قاعدة "ما أسكر كثيره حرم قليله وكثيره" مادام هذا العصير تختلف أحواله من حيث نوعه، ومن حيث درجة ونوع طبخه. والله أعلم.
الثالثة: السكر الفعلي من غير عصير العنب حرام باتفاق، لكن حرمته كحرمة السكر من عصير العنب عند الجمهور، فيحد شاربه، وحرمته ليست كحرمة السكر من عصير العنب، فلا يحد شاربه عند الحنفية والكوفيين.
الرابعة: عصير العنب، ومنقوع البسر والتمر والزبيب، إذا لم يغل، ولم يشتد، ولم يقذف بالزبد، ولم يسكر كثيره حلال باتفاق.
ولكن إلى أي مدة يبقى نبيذاً حلالاً؟ وإلى أي طعم؟ وإلى أية درجة في تغير طعمه يبقى حلالاً؟ سيأتي في الباب رقم ٥٥٧.
وأما العقوبة الأخروية لشارب الخمر فستأتي في الباب رقم ٥٥٦.
وفي أي إناء ينبذ؟ وفي أي إناء لا ينبذ؟ سيأتي في الباب رقم ٥٥٥.
وهل خلط الأصناف المتعددة مما ينبذ حلال؟ سيأتي في الباب رقم ٥٥٤.
وهل الخمر إذا تخللت، وتحولت إلى خل لا يسكر، يحل شربها؟ أو لا؟ وهل يحل التداوي بالخمر؟ أو لا؟ سيأتي في الباب رقم ٥٥١. أما الباب رقم ٥٥٢ فقد دخل معنا في هذا الباب.
الخامسة: وهي صلب الموضوع ولبه، وموطن الصراع فيه، فهي حكم شرب القليل من غير عصير العنب، مما يسكر كثيره، إذا لم يسكر هذا القليل.
فالكوفيون لم يحرموا سوى ماء العنب، أما غيره فلم يحرموا منه إلا القدر المسكر خاصة، إذا أسكر بالفعل فعن أبي حنيفة: الخمر -وهي عصير العنب خاصة- حرام، قليلها وكثيرها، والسكر من غيرها حرام. وعن أبي يوسف: لا بأس بالنقيع من كل شيء، وإن غلي، إلا الزبيب والتمر، وكذا حكاه محمد عن أبي حنيفة.
وعن محمد: ما أسكر كثيره أي من غير عصير العنب -فأحب أن لا أشربه، ولا أحرمه.
وقال الثوري: أكره نقيع التمر، ونقيع الزبيب إذا غلي، ونقيع العسل لا بأس به.
أما الشافعية والمالكية والحنابلة والجماهير فقالوا: ما أسكر كثيره من أي شيء حرم قليله، وإن لم يسكر.
ووجهة نظر الحنفية والكوفيين تتمثل فيما يأتي: