١ - حديث ابن عباس، رفعه "حرمت الخمر، قليلها وكثيرها، والسكر من كل شراب" قال الحافظ ابن حجر: وهو حديث أخرجه النسائي، ورجاله ثقات، إلا أنه اختلف في وصله وانقطاعه، وفي رفعه ووقفه، وعلى تقدير صحته فقد رجح الإمام أحمد وغيره أن الرواية فيه "والمسكر" بضم الميم وسكون السين، لا "السكر" بضم السين وسكون الكاف، أو أن الرواية فيه بفتح السين والكاف، وهو المسكر، ومنه قوله تعالى: {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً} [النحل: ٦٧] قال: وعلى تقدير ثبوتها فهو حديث فرد، ولفظه محتمل، فلا يعارض عموم الأحاديث الكثيرة الصحيحة. اهـ وسنورد هذه الأحاديث عند ذكر أدلة الجمهور.
٢ - أخرج البيهقي عن سعيد بن ذي لعوة، أنه شرب من سطيحة لعمر -السطيحة مزادة من جلد- فسكر، فجلده عمر، فقال: إنما شربت من سطيحتك؟ قال: أضربك على السكر" ورد هذا بما قاله البخاري وغيره، عن سعيد هذا، بأنه لا يعرف.
٣ - أخرج النسائي عن أبي مسعود قال: عطس النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يطوف، فأتى بنبيذ من السقاية، فقطب، فقيل: أهو حرام؟ قال: لا. علي بذنوب من ماء زمزم، فصب عليه، وشرب".
ورد عليهم بضعف هذا الحديث، ذكر ذلك الحافظ ابن حجر، وعلى فرض صحته قال الأشرم: احتج به الكوفيون لمذهبهم، ولا حجة لهم فيه، لأنهم متفقون على أن النبيذ إذا اشتد وغلي أو زبد لا يحل شربه، فإن زعموا أن الذي شربه النبي صلى الله عليه وسلم كان من هذا القبيل، فقد نسبوا إليه أنه شرب المسكر، ومعاذ الله من ذلك، وإن زعموا أنه قطب من حموضته لم يكن لهم فيه حجة، لأن النقيع ما لم يشتد ويغلي فكثيره وقليله حلال بالاتفاق.
وقال أبو المظفر السمعاني -وكان حنفياً فتحول شافعياً- من ظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب مسكراً، فقد دخل في أمر عظيم، وباء بإثم كبير، وإنما الذي شربه كان حلواً، ولم يكن مسكراً.
٤ - أخرج البيهقي عن همام بن الحارث أن عمر كان في سفر، فأتي بنبيذ، فشرب منه، فقطب، ثم قال: إن نبيذ الطائف له عرام -بضم العين وتخفيف الراء، أي شدة -ثم دعا بماء، فصبه عليه، ثم شرب" قال الحافظ ابن حجر: وسنده قوي، وهو أصح شيء ورد في ذلك، لكنه ليس نصاً في أنه بلغ حد الإسكار، فلو كان بلغ حد الإسكار، لم يكن صب الماء عليه مزيلاً للتحريم، وقد اعترف الطحاوي -الحنفي- بذلك، فقال: لو كان بلغ التحريم لكان لا يحل، ولو ذهبت شدته بصب الماء عليه، فثبت أنه قبل أن يصب الماء عليه كان غير حرام، فدل على أن تقطيبه لأمر غير الإسكار.
قال البيهقي: حمل هذه الأشربة على أنهم خشوا أن تتغير فتشتد، فجوزوا صب الماء فيها، ليمنع الاشتداد أولى من حملها على أنها كانت قد بلغت حد الإسكار، فكان صب الماء عليها لذلك، لأن مزجها بالماء لا يمنع إسكارها، إذا كانت قد بلغت حد الإسكار.
وقال نافع: والله ما قطب عمر لأجل الإسكار، حين ذاقه، ولكنه كان تخلل -أي حمض- وعن عتبة بن فرقد: كان النبيذ الذي شربه عمر قد تخلل، وقيل: كسره بالماء لشدة حلاوته، قال الحافظ ابن حجر: ويمكن الجمع بحمل الأمرين على حالتين.