للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥ - أخرج ابن أبي شيبة من طريق أبي وائل، قال: "كنا ندخل على ابن مسعود، فيسقينا نبيذاً شديداً" ومن طريق علقمة "أكلت مع ابن مسعود، فأتانا بنبيذ شديد، نبذته سيرين، فشربوا منه" قال الحافظ ابن حجر: فالجواب عنه من ثلاثة أوجه: أحدها: لو حمل على ظاهره لم يكن معارضاً للأحاديث الثابتة في تحريم كل مسكر -أي لأنه لا نص فيه على أنه قد بلغ حد الإسكار- ثانيها أنه ثبت عن ابن مسعود تحريم المسكر، قليله وكثيره، فإذا اختلف النقل عنه كان قوله الموافق لقول إخوانه من الصحابة، مع موافقة الحديث المرفوع أولى. ثالثها: يحتمل أن يكون المراد بالشدة شدة الحلاوة، أو شدة الحموضة، فلا يكون فيه حجة أصلاً.

٦ - قال الطحاوي: اختلف الصحابة في ذلك [يشير إلى الروايات التي عرضناها، والروايات التي سنعرضها أدلة للجمهور، وحديث عمر "الخمر من خمسة أشياء، وحديث أبي هريرة "الخمر من هاتين الشجرتين"، ووجدنا اتفاق الأمة على أن عصير العنب، إذا اشتد، وغلي، وقذف بالزبد، فهو حرام، وأن مستحله كافر، فدل ذلك على أنهم لم يعملوا بحديث أبي هريرة، إذ لو عملوا به لكفروا مستحل نبيذ التمر [حديث أبي هريرة "الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة" وسيأتي في الباب الثالث] فثبت أنه لم يدخل في الخمر غير المتخذ من عصير العنب. اهـ

ورد هذا الاستدلال بأنه لا يلزم من أنهم لم يكفروا مستحل نبيذ التمر أن يمنعوا تسميته خمراً، فقد يشترك الشيئان في التسمية، ويفترقان في بعض الأوصاف، وفي الحكم والغلظ، كالزنا مثلاً، فإنه يصدق على من وطئ أجنبية، وعلى من وطئ امرأة جاره، والثاني أغلظ من الأول، وعلى من وطئ محرماً له، وهو أغلظ، واسم الزنا مع ذلك شامل للثلاثة، فلا يلزم من تكفير مستحل خمر العنب وعدم تكفير مستحل خمر التمر أن لا يشتركا في حرمة شرب القليل من كل منهما.

٧ - حكى أبو جعفر النحاس عن قوم أن الحرام ما أجمعوا عليه، وما اختلفوا فيه ليس بحرام. قال الحافظ ابن حجر: وهذا عظيم من القول، يلزم منه القول بحل كل شيء اختلف في تحريمه، ولو كان مستند الخلاف واهياً.

أما أدلة الجمهور فكثير من النصوص، ثم القياس الجلي، فمن النصوص:

١ - ما رواه البخاري عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: خطب عمر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل، والخمر ما خامر العقل" وفي رواية له "الخمر تصنع من خمسة: من الزبيب والتمر والحنطة والشعير والعسل".

فهذا الحديث له حكم الرفع، لأنه خبر صحابي، شهد التنزيل، أخبر عن سبب نزول آية تحريم الخمر، وقد خطب به عمر على المنبر، وهو ممن جعل الله الحق على لسانه وقلبه، وسمعه الصحابة وغيرهم، فلم ينقل عن أحد منهم إنكار ذلك، وإذا ثبت أن كل ذلك يسمى خمراً لزم تحريم قليله وكثيره.

٢ - جاء هذا الذي قاله عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحاً، فعند أصحاب السنن الأربعة أن النعمان بن

<<  <  ج: ص:  >  >>