للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أقول: وكذا في نقيع يشرب طازجاً، فلا بأس به.

قال الحافظ ابن حجر: واختلف في خلط نبيذ البسر الذي لم يشتد مع نبيذ التمر الذي لم يشتد عند الشرب، هل يمتنع؟ أو يختص النهي عن الخلط عند الانتباذ؟ قال الجمهور: لا فرق، وقال الليث: لا بأس بذلك عند الشرب، ولعل هذا الاختلاف مبني على علة النهي عن الخلط، أهي خوف إسراع الإسكار؟ أم هي الإسراف؟ كما سيأتي تفصيله، وكذلك الاختلاف الجاري في خليطين من غير ما ذكر من الأنبذة، كخلط اللبن مع الورد أو البرتقال، فمن قال: إن العلة خوف إسراع الإسكار أباحه، ومن قال: إن العلة الإسراف منعه.

وقال ابن العربي المالكي: ثبت النهي عن الخليطين، فاختلف العلماء، فقال أحمد وإسحق وأكثر الشافعية بالتحريم، ولو لم يسكر، وقال الكوفيون بالحل -إن لم يسكر بالفعل- قال: واتفق علماؤنا على الكراهة، لكن اختلفوا. هل هي للتحريم أو للتنزيه. قال: واختلفوا في الخليطين لأجل التخليل، ثم قال: ويتحصل لنا أربع صور: أن يكون الخليطان منصوصين، فهو حرام، أو منصوص ومسكوت عنه، فإن كان كل منهما لو انفرد أسكر، فهو حرام، قياساً على المنصوص، أو مسكوت عنهما، وكل منهما لو انفرد لم يسكر، جاز، قال: وهنا مرتبة رابعة، وهي ما لو خلط شيئين، وأضاف إليهما دواء يمنع الإسكار، فيجوز في المسكوت عنه، ويكره في المنصوص، قال الشافعي: ثبت نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الخليطين، فلا يجوز بحال، وعن مالك قال: أدركت على ذلك أهل العلم ببلدنا، وقال الخطابي: ذهب إلى تحريم الخليطين -وإن لم يكن الشراب منهما مسكراً- جماعة عملاً بظاهر الحديث، وهو قول مالك وأحمد وإسحق وظاهر مذهب الشافعي، وقالوا: من شرب الخليطين أي قبل الشدة أثم من جهة واحدة، فإن كان بعد الشدة أثم من جهتين، وخص الليث النهي بما إذا نبذا معاً. اهـ وجرى ابن حزم على عادته في الجمود، فخص النهي عن الخليطين بخلط واحد من خمسة أشياء، وهي التمر والرطب والزهو والبسر والزبيب، في أحدها، أو في غيرها، فأما لو خلط واحداً من غيرها في واحد من غيرها لم يمتنع، كاللبن والعسل مثلاً، ويرد عليه ما أخرجه أحمد في الأشربة، عن أنس قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين شيئين نبيذاً، مما يبغي أحدهما على صاحبه".

واختلف العلماء في علة المنع، فقال بعضهم: لأن أحدهما يشد الآخر، وقيل: لأن الإسكار يسرع إليهما، وقيل: إن النهي من أجل السرف، كما نهي عن قران التمر، و"أن لا يجعل إدامين في إدام" وقد حكى أبو بكر الأثرم عن قوم أنهم حملوا النهي عن الخليطين على علة الإسراف، إذ قالوا: فإذا ورد النهي عن القران بين التمرتين، وهما من نوع واحد، فكيف إذا وقع القران بين نوعين؟ وقد نصر الطحاوي من حمل النهي عن الخليطين على منع السرف، فقال: كان ذلك لما كانوا فيه من ضيق العيش، وساق حديث ابن عمر في النهي عن القران بين التمرتين، وتعقب بأن ابن عمر أحد من روى النهي عن الخليطين، وكان ينبذ البسر، فإذا نظر إلى بسرة في بعضها ترطيب قطه، كراهة أن يقع في النهي، وهذا على قاعدتهم يعتمد عليه، لأنه لو فهم أن النهي عن الخليطين كالنهي عن القران لما خالفه، فدل على أنه عنده لغير الإسراف، وحديث أنس فيه أنه سقاه خليط بسر وتمر، فدل على أن

<<  <  ج: ص:  >  >>