٤٥٨٢ - عن أنس رضي الله عنه قال: لقد سقيت رسول الله بقدحي هذا، الشراب كله: العسل والنبيذ، والماء، واللبن.
-[المعنى العام]-
مراحل التخمر تبدأ بالنقيع، يوضع التمر أو الزبيب أو الذرة أو الشعير أو الحنطة في الماء، مع شيء من السكر أو بدونه، فيلين الجاف الجامد، فيؤكل ويشرب بعد ساعات من النقع.
المرحلة الثانية مرحلة النبيذ، وهي أن يبقى هذا النقيع حتى يتغير طعمه من حلاوة إلى حموضة ولذع، تختلف درجاتها من ضعف إلى قوة، ونهاية هذه المرحلة أن يشتد هذا اللذع، وأن يرغي هذا النبيذ، ويقذف بالزبد، ويغلي وتتحرك فقاقيعه، وحتى يصل هذه الحالة لا يسكر قطعاً، ولا يحرم أكله ولا شربه، باتفاق العلماء، وقد يستغرق النقيع حتى يصل إلى هذه الحالة ثلاثة أيام، وقد يصل إليها بعد يومين، وقد يصل إليها بعد يوم، لأن هذه الحالة ترتبط بوسيلة التخمر، من نوع النقيع، ودرجة الحرارة، ومواد النقع، ونحو ذلك، لا بالزمن، ولهذا وجدنا في الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له النقيع من الليل، فيشربه إذا أصبح، وينبذ له أول النهار، فيشربه عشاء، وأقصى مدة ينبذ له النبيذ فيها ثلاثة أيام بثلاث ليال، فإن بقي في السقاء شيء بعد ذلك، ولم تظهر عليه أعراض التخمر، سقاه للخادم، ولم يشربه ورعاً وحيطة، وإن ظهرت عليه بعض أعراض التخمر طرحه وألقاه وصبه، لأنه لم يعد مالاً محترماً.
واستقرت هذه القواعد عند الصحابة -رضي الله عنهم- وكان النبيذ عند العرب تحفة الضيف العزيز، كان نبيذ التمر أعز من الطعام والشراب، وأعز ما يقدم في الولائم، فهذا أبو أسيد الساعدي، يقيم وليمة عرسه، ويدعو إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبار صحابته، فيقدم لهم الطعام، وتقوم امرأته العروس بنفسها، تحمل سقاء صغيراً، قد نبذت فيه تمرات من الليل، فتسقي منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، تتحفه وتخصه بأعز ما لديها، وهو النبيذ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ضايقه موقف امرأة عربية، عرض عليه الزواج منها، فجاءت إليه، فلم يسعدها قدرها بشرف الانتساب إليه، فاستعاذت، فأعاذها، وأعادها لأهلها، ضايقه هذا الظرف، فخرج من عندها إلى سقيفة بني ساعدة، فوجد بعض أصحابه يجلسون، ويشربون النبيذ، يقوم على سقايتهم صبي من بني سعد يسمى سهل بن سعد، فجلس معهم صلى الله عليه وسلم، وقال للصبي. اسقنا يا سهل، فسقاه من قدح، اعتز به بعد ذلك سهل، لأن القدح شرف بلقاء فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ الصحابة يتبركون بالشرب من هذا القدح، حتى كان عمر بن عبد العزيز أميراً على المدينة، وشاع في المدينة التبرك بالشرب من هذا القدح، فطلب عمر بن عبد العزيز من سهل بن سعد أن يهبه هذا القدح، فوهبه له، فاحتفظ به عمر بن عبد العزيز خيراً وبركة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.