(كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتبذ له أول الليل، فيشربه إذا أصبح يومه ذلك، والليلة التي تجيء، والغد، والليلة الأخرى، والغد، إلى العصر) ظاهر هذه الرواية أن النبيذ شرب ثلاث ليال، ويومين كاملين، واليوم الثالث إلى العصر، وكذا الرواية الثالثة والرابعة، أما الرواية الثانية فتنقص يوماً وليلة عن السابقات، وأما حديث عائشة، وهو الرواية السادسة والسابعة فمدة النبيذ فيها يوم واحد، أو ليلة واحدة، وجمع بعضهم بأن شرب النقيع في يومه لا يمنع شرب النقيع في أكثر من يوم، أي إن حديث عائشة ليس فيه قصر الشرب على يوم واحد، فقول الحبشية في الرواية السادسة "فإذا أصبح شرب منه" لا يمنع أن يضاف إليه "وإذا أمسى شرب منه، وإذا أصبح في الغد شرب منه. إلخ" وقول عائشة "ننبذه غدوة فيشربه عشاء" لا يمنع أن يضاف إليه "وغدوة وعشاء" إلخ، لكن رواية أبي داود لهذا الحديث تمنع هذا الجمع، فلفظها "أنها كانت تنبذ للنبي صلى الله عليه وسلم غدوة، فإذا كان من العشي تعشى، فشرب على عشائه، فإن فضل شيء صبه، ثم تنبذ له بالليل، فإذا أصبح وتغدى شرب على غدائه. قالت: نغسل السقاء غدوة وعشية" كما أن حديث عبد الله بن الديلمي عن أبيه يمنع هذا الجمع، وقد رواه أبو داود والنسائي بلفظ "قلنا: يا رسول الله، ما نصنع بالزبيب؟ قال: انبذوه على عشائكم، واشربوه على غدائكم" فهذه الأحاديث تفيد التقييد باليوم والليلة، وجمع بعضهم بقوله: لعل حديث عائشة كان زمن الحر، وحيث يخشى فساده في الزيادة على يوم، وحديث ابن عباس في زمن يؤمن فيه التغير قبل الثلاث، وجمع بعضهم بحمل حديث عائشة على نبيذ قليل، يفرغ منه في يومه، وحديث ابن عباس في كثير لا يفرغ منه، فالاختلاف باختلاف الأحوال والأزمنة، ولا تعارض.
(فإن بقي شيء سقاه الخادم، أو أمر به فصب) في الرواية الثانية "فإن فضل منه شيء سقاه الخادم، أو صبه" وفي الرواية الثالثة "ثم يأمر به فيسقى، أو يهراق" وفي الرواية الرابعة "فإن فضل شيء أهراقه" قال النووي: يقال: فضل بفتح الضاد وكسرها، وقال: معناه: تارة يسقيه الخادم، وتارة يصبه، وذلك لاختلاف حال النبيذ، فإن كان لم يظهر فيه تغير ونحوه، من مبادئ الإسكار سقاه الخادم، ولا يريقه، لأنه مال تحرم إضاعته، ويترك شربه تنزهاً، وإن كان قد ظهر فيه شيء من مبادئ الإسكار والتغير أراقه، لأنه إذا أسكر صار حراماً ونجساً، فيراق، ولا يسقيه الخادم، لأن المسكر لا يجوز سقيه الخادم، كما لا يجوز شربه، وأما شربه صلى الله عليه وسلم قبل الثلاث فكان حيث لا تغير، ولا مبادئ تغير، ولا شك أصلاً. اهـ
(ينقع له الزبيب) يقال: نقع الزبيب، بفتح النون والقاف، ينقع بفتح القاف، إذا تركه في الماء حتى انتقع وانحل من طول مكثه في الماء، ويقال: أنقع الزبيب في الماء، بمعنى نقعه، وفي الرواية الرابعة "كان ينبذ له الزبيب" فالنبيذ يسمى نقيعاً، والنقيع يسمى نبيذا، فيحمل ما ورد في الأحاديث بلفظ النبيذ على النقيع، وعكسه.