كريه الرائحة، ثم يتحول هذا العجين إلى دم نجس أحمر يجري في العروق، ولبن طاهر أبيض يجري في أنابيب خاصة إلى الضرع، ويبقى الفرث في الكرش، حتى يخرج فضلات تعرف بالزبل أو السرجين أو الجلة. سبحانك اللهم، ولك الحمد والمنة، أن خلقت ويسرت لنا ما نحتاجه في حياتنا.
إن الغنم والبقر والإبل وسيلة الحياة، منذ هبط آدم إلى الأرض {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون* ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون* وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم}[النحل: ٥ - ٧]. {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم}[النحل: ١٨].
لقد عرف العرب وغيرهم هذه النعم، وعبروا عن شكرهم لها بتيسيرها للقانع والمعتر، فجعلوا من حقها أن يحلبها المحتاج وهي في المرعى أو وهي تشرب، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر في الهجرة من مكة إلى المدينة، يعطش النبي صلى الله عليه وسلم، فيرى أبو بكر غنماً، فيأخذ إناء، ويذهب إلى الراعي، فيستأذنه في حلب شاة، فيأخذ اللبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشرب حتى يروى.
ومن قبل ذلك، في رحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربه بالإسراء، ثم المعراج، كانت تحية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم اللبن، إذ جاءه جبريل بثلاثة أقداح أو أربعة. قدح فيه لبن، وقدح فيه خمر، وقدح فيه عسل، وقدح فيه ماء، فنظر صلى الله عليه وسلم إلى الأقداح وما فيها، فاختار منها -بهداية الله- قدح اللبن، فشرب فقال جبريل: هداك الله إلى رمز الإسلام، فالحمد لله رب العالمين.
-[المباحث العربية]-
(قال أبو بكر: لما خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة) هذه الرواية صريحة في أنها من مسند أبي بكر، والرواية الثانية من مسند البراء، إلى قوله "قال أبو بكر الصديق ... " وفي الرواية الثانية "لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة" والمراد لما بدأ الهجرة من مكة إلى المدينة.
(مررنا براع) قال النووي: في بعض الأصول "براعي" بالياء، وهي لغة قليلة، والأشهر "براع" وفي الرواية الثانية "فمروا براعي غنم" وظاهر الرواية الثانية أن قصة الراعي واللبن كانت بعد قصة سراقة، وكذا ظاهر بعض الروايات، لكن في البخاري عن أبي بكر رضي الله عنه قال: ارتحلنا من مكة ليلتنا، ويومنا حتى أظهرنا، وقام قائم الظهيرة، فرميت ببصري، هل أرى من ظل؟ فآوى إليه؟ ، فإذا صخرة، أتيتها، فنظرت بقية ظل لها، فسويته، ثم فرشت للنبي صلى الله عليه وسلم فيه، ثم قلت له: اضطجع يا نبي الله. فاضطجع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم انطلقت أنظر ما حولي، هل أرى من الطلب أحداً، فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصخرة، يريد منها الذي أردنا، فسألته، فقلت لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من قريش. سماه، فعرفته، فقلت هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم. قلت: فهل أنت حالب لنا؟ قال: نعم. فأمرته، فاعتقل شاة من غنمه، ثم أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار، ثم أمرته أن ينفض كفيه، فحلب لي