وقد أخرج مسلم والأربعة عن جابر رضي الله عنه رفعه "إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله عند دخوله، وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم" وكذلك إذا قال الرجل عند جماع أهله: اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا. كان سبب سلامة المولود من ضرر الشيطان، ولو بوجه ما، ففي الحديث الحث على ذكر الله تعالى على كل أمر ذي بال، وكذلك حمد الله تعالى في نهاية كل أمر ذي بال، وقد جعل الله تعالى هذه الأسباب أسباباً للسلامة من الإيذاء.
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم]-
١ - قال النووي تعليقاً على ما جاء في الرواية الأولى من قوله "قال أبو حميد: إنما أمر بالأسقية أن توكى ليلاً، وبالأبواب أن تغلق ليلاً" قال النووي: هذا الذي قاله أبو حميد من تخصيصهما بالليل ليس في اللفظ ما يدل عليه، والمختار عند الأكثرين من الأصوليين، وهو مذهب الشافعي وغيره -رضي الله عنهم- أن تفسير الصحابي، إذا كان خلاف ظاهر اللفظ ليس بحجة، ولا يلزم غيره من المجتهدين موافقته على تفسيره، وأما إذا لم يكن في ظاهر الحديث ما يخالفه، بأن كان مجملاً، فيرجع إلى تأويله، ويجب الحمل عليه، لأنه إذا كان مجملاً لا يحل له حمله على شيء إلا بتوقيف، وكذا لا يجوز تخصيص العموم بمذهب الراوي، عند الشافعي والأكثرين، والأمر بتغطية الإناء عام، فلا يقبل تخصيصه بمذهب الراوي، بل يتمسك بالعموم. والله أعلم.
٢ - قال القرطبي: الأمر والنهي في هذا الحديث للإرشاد، قال: وقد يكون للندب، وجزم النووي بأنه للإرشاد، لكونه لمصلحة دنيوية، وتعقب بأنه قد يفضي إلى مصلحة دينية، وهي حفظ النفس المحرم قتلها، والمال المحرم تبذيره، وقال ابن دقيق العيد: هذه الأوامر لم يحملها الأكثرون على الوجوب، ويلزم أهل الظاهر حملها على الوجوب، قال: وهذا لا يختص بالظاهري، بل الحمل على الظاهر إلا لمعارض ظاهر، يقول به أهل القياس، وإن كان أهل الظاهر أولى بالالتزام به، لكونهم لا يلتفتون إلى المفهومات والمناسبات.
قال: وهذه الأوامر تتنوع بحسب مقاصدها، فمنها ما يحمل على الندب، وهو التسمية على كل حال، ومنها ما يحمل على الندب والإرشاد معاً، كإغلاق الأبواب، من أجل التعليل بأن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً، لأن الاحتراز من مخالطة الشيطان مندوب إليه، وإن كان تحته مصالح دنيوية، كالحراسة، وكذا إيكاء السقاء، وتخمير الإناء.
٣ - استنبط بعضهم من الأمر بإغلاق الأبواب مشروعية إغلاق الفم عند التثاؤب، لدخوله في عموم الأبواب مجازاً.
٤ - في ذكر الأسباب عند الأوامر، استحباب تعليل الأمر، وذكر حكمته، ليكون أدخل في الاعتبار، وأسرع إلى الإجابة.
٥ - أخذ بعضهم من هذه الأوامر أن التعرض للفتن مما لا ينبغي، وأن الاحتراس منها أحزم، وإن كان الله بالغاً أمره، قد جعل لكل شيء قدراً.