الأول: أنه من قبيل المبالغة في الطلب، غير مقصود لفظه، كحديث "اتقوا النار ولو بشق تمرة" وحديث "من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة" على أن ما لا يدرك كله لا يترك كله.
الاتجاه الثاني الأخذ في الاعتبار بالقيد الذي صرحت به الرواية الرابعة من ذكر الله عند عرض العود، ومن هنا يقول الحافظ ابن حجر: وأظن السر في الاكتفاء بعرض العود أن تعاطي التغطية أو العرض يقترن بالتسمية، فيكون العرض علامة على التسمية، فتمتنع الشياطين من الدنو منه، ويقول: فذكر اسم الله يحول بينه وبين فعل هذه الأشياء، ومقتضاه أنه يتمكن من كل ذلك إذا لم يذكر اسم الله وسيأتي قريباً مزيد لهذه المسألة.
ويقول ابن بطال: أخبر صلى الله عليه وسلم أن الشيطان لم يعط قوة على شيء من ذلك، وإن كان أعطي ما هو أعظم منه، وهو دخوله في الأماكن التي لا يقدر الآدمي أن يدخل فيها.
٢ - وأما إغلاق الأبواب ليلاً فقد قال ابن دقيق العيد: فيه من المصالح الدينية والدنيوية حراسة الأنفس والأموال من أهل العبث والفساد، ولا سيما الشياطين، وأما قوله "فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً" فإشارة إلى أن الأمر بالإغلاق لمصلحة إبعاد الشيطان عن الاختلاط بالإنسان، وخصه بالتعليل تنبيهاً على ما يخفى، مما لا يطلع عليه إلا من جانب النبوة، قال: والحديث يدل على منع دخول الشيطان الخارج، فأما الشيطان الذي كان داخلاً فلا يدل الخبر على خروجه، قال: فيكون ذلك لتخفيف المفسدة، لا رفعها، ويحتمل أن تكون التسمية عند الإغلاق تقتضي طرد من في البيت من الشياطين، وعلى هذا فينبغي أن تكون التسمية من ابتداء الإغلاق إلى تمامه. اهـ أي ليخرج من في الداخل أثناء الإغلاق.
٣ - وأما إطفاء السراج فقد قال ابن دقيق العيد: إذا كانت العلة في إطفاء السراج الحذر من جر الفويسقة الفتيلة فمقتضاه أن السراج إذا كان على هيئة لا تصل إليه الفأرة [أو المكان لا تصل إليه فأرة] لا يمنع إيقاده، كما لو كان على منارة من نحاس أملس، لا يمكن الفأرة الصعود إليه، أو يكون مكانه بعيداً عن موضع يمكنها أن تثب منه إلى السراج. اهـ فإذا استوثق، بحيث يؤمن معه الإحراق زال الحكم بزوال علته، وقد صرح النووي بذلك في القنديل مثلاً، لأنه يؤمن معه الضرر الذي لا يؤمن مثله في السراج.
٤ - وأما إطفاء النار عند النوم فقد قال القرطبي: إن الواحد إذا بات ببيت ليس فيه غيره، وفيه نار، فعليه أن يطفئها قبل نومه، أو يفعل بها ما يؤمن معه الاحتراق، وكذا إن كان في البيت جماعة، فإنه يتعين على بعضهم، وأحقهم بذلك آخرهم نوماً، فمن فرط في ذلك كان للسنة مخالفاً ولأدائها تاركاً.
٥ - وأما كف الصبيان والدواب من الانتشار ليلاً، فقد مضى عنها في المباحث العربية ما فيه الكفاية.
٦ - وأما ذكر الله فإنه يحول بين المخلوقات المؤذية وبين وقوع الأذى، وهو وقاية من كل سوء،