والأكل باليمين أدب إسلامي جليل، وصيانة الأكل والشرب عن الأقذار واجب إنساني صحي، واليد آلة الأكل والشرب، وفي تخصيص إحدى اليدين لمحاسن الأعمال وفضائلها وشريفها ونظيفها تكريم لما تتناوله هذه اليد، وحماية له من التلوث، وحماية للنفس من التقزز، أما اليد التي تخصص للاستنجاء، وتتعرض للقاذورات -مهما غسلت- فيصاحبها -ولو نفسياً- ما لابسها ولابسته من القاذورات، ولك أن تتخيل كوباً تستعمله في الأوساخ، وكوباً آخر من نفس النوع تستعمله في العصائر ولذيذ المشروبات، من أيهما تحب أن تشرب؟ .
من هنا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالأكل باليمين والشرب باليمين والإعطاء باليمين، والأخذ باليمين، والمصافحة باليمين، وتناول كل عمل شريف باليمين، والشمال في نقيض ذلك، وقد جعل الله أصحاب السعادة أصحاب اليمين، وأصحاب الشقاء أصحاب الشمال، واليمين في اللغة خير، والشمال شؤم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في كل شيء في سواكه ونعله ولباسه وشأنه كله.
والأكل مما يلي الآكل، في إناء يشترك فيه مع آخرين أدب اجتماعي، يحفظ لصاحبه أمامهم القناعة والوقار والخلق الجميل، ويحميه من صورة الشره والطمع والأنانية وفرط الحرص، ويحميهم من التقزز والإيذاء.
والشرب قاعداً وكذا الأكل قاعداً خير وأولى منه واقفاً، وإن كان شرب الواقف وأكله خيراً منه ماشياً أو مضجعاً.
والشرب من فم الإناء الكبير مذموم شرعاً، منهي عنه، لما يخلف توارد الأفواه عليه من رائحة كريهة، واشمئزاز الشاربين.
والتنفس في الإناء كذلك مذموم، وإذا اجتمع قوم على طعام أو شراب قدم الأيمن فالأيمن، آداب سامية، وأحاسيس اجتماعية مرهفة، سبقت عصور التقدم والمدنية، آية على أن الإسلام دين الله الخالد، المناسب لكل زمان ومكان إلى قيام الساعة.
-[المباحث العربية]-
(لم نضع أيدينا) في الطعام، وفي الكلام مقابلة الجمع بالجمع، المقتضية للقسمة آحاداً، كأنه قال: لم يضع أحد منا يده في الطعام.
(حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيضع يده) الفاء تفسيرية، وما بعدها تفسير للبدء، والمعنى حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع الأيدي في الطعام، فيضع يده فيه، ومن باب أولى لم نأكل ولم نبدأ طعمه حتى يبدأ.
(وإنا حضرنا معه مرة طعاماً) يقصد حذيفة بالجمع في ضمير المتكلم نفسه ومن حضر معه من الصحابة، وليس الجمع لتعظيم نفسه.