للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأمر إذا مشي فيه، وقمت في حاجتي إذا سعيت فيها وقضيتها، ومنه قوله تعالى: {إلا ما دمت عليه قائماً} [آل عمران: ٧٥] أي مواظباً بالمشي.

(ب) وجنح الطحاوي إلى تأويل آخر، وهو حمل النهي على من لم يسم عند شربه، وهذا إن سلم له في بعض ألفاظ الحديث لم يسلم له في بقيتها.

(ج) وسلك آخرون في الجمع مسلكاً جيداً، بحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه، وأحاديث الجواز على بيانه، وهي طريقة الخطابي وابن بطال والنووي وآخرين، وهذا أحسن المسالك، وأسلمها، وأبعدها من الاعتراض، وقد أشار الأثرم أخيراً إلى ذلك، فقال: إن ثبتت الكراهة حملت على الإرشاد والتأديب، لا على التحريم، وبذلك جزم الطبري، وأيده بأنه لو كان جائزاً ثم حرمه، أو كان حراماً ثم جوزه لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بياناً واضحاً، فلما تعارضت الأخبار بذلك جمعنا بينها بهذا. والله أعلم.

الأدب السابع: عدم التنفس في إناء الشراب، والكلام فيه على حالتين:

الحالة الأولى عدم إخراج الشارب نفسه في داخل الإناء، لأنه ربما حصل للإناء، أو للسائل فيه تغير من ريح النفس، إما لكون المتنفس متغير الفم بمأكول ونحوه، أو لبعد عهده بالسواك والمضمضة، أو لأن النفس يصعد ببخار المعدة وريحها، والنفخ في هذه الأحوال كلها أشد من التنفس، فالنهي عنه آكد من باب أولى، فقد يزيد النفخ خروج رذاذ من الريق، مما يتقذر غالباً، وقد ورد النهي عن النفخ في الطعام والشراب في أحاديث كثيرة، فعند أبي داود والترمذي "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتنفس في الإناء، وأن ينفخ فيه" قال المهلب: النهي عن التنفس في الشرب كالنهي عن النفخ في الطعام والشراب، من أجل أنه قد يقع فيه شيء من الريق، فيعافه الشارب ويتقذره، إذا كان التقذر في مثل ذلك عادة غالبة على طباع أكثر الناس، ومحل هذا إذا أكل أو شرب مع غيره، وأما لو أكل وحده أو مع أهله، أو مع من يعلم أنه لا يتقذر فلا بأس. قال الحافظ ابن حجر: والأولى تعميم المنع، لأنه لا يؤمن مع ذلك أن تفضل فضلة، أو يحصل التقذر من الإناء، أو نحو ذلك، قال ابن العربي: قال علماؤنا: هو من مكارم الأخلاق.

الحالة الثانية: التنفس خارج الإناء، أثناء الشرب، بأن يشرب على نفسين أو ثلاثة أو أكثر، وروايتنا الواحدة والعشرون والثانية والعشرون تصرحان بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في الشرب ثلاثاً، وعند البخاري "كان أنس يتنفس في الإناء مرتين أو ثلاثاً".

وجواز الشرب بنفس واحد ورد به الأمر عند الحاكم، وهو محمول على الجواز، وأخرج الترمذي بسند ضعيف عن ابن عباس رفعه "لا تشربوا واحدة، كما يشرب البعير، ولكن اشربوا مثنى وثلاث" قال الحافظ ابن حجر: فالنهي عن الشرب في نفس واحد للتنزيه.

الأدب الثامن: إدارة الشراب على يمين المبتدئ، وفي روايتنا الثالثة والعشرين والرابعة والعشرين والخامسة والعشرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى الأعرابي الذي على يمينه قبل أبي بكر وعمر، وقال: الأيمن فالأيمن، وفي الرواية السادسة والعشرين استأذن الغلام الذي عن يمينه ليعطي الأشياخ الذين هم عن شماله، فلما لم يتنازل الغلام لهم أعطاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>