للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

غيره له، والصحيح أنه موقوف، وأكد القاضي عياض تضعيف أحاديث النهي بقوله: ولا خلاف بين أهل العلم في أن من شرب قائماً، ليس عليه أن يتقيأ. اهـ

وقد حمل النووي على هذا القول وعلى قائليه حملة عنيفة، لكنه لم يتشاغل بالجواب عن وجهات النظر، وتعرض لها الحافظ ابن حجر، فقال: إن الإشارة إلى تضعيف حديث أنس بكون قتادة مدلساً، وقد عنعنه، فيجاب عنه بأنه خرج في نفس السند بما يقتضي سماعه له من أنس، فإن فيه "قلنا لأنس: فالأكل .... " [انظر روايتنا الثانية عشرة] وأما تضعيفه حديث أبي سعيد بأن أبا عيسى غير مشهور فهو قول سبق إليه ابن المديني، لأنه لم يرو عنه إلا قتادة، لكن وثقه الطبري وابن حبان، ومثل هذا يخرج في الشواهد، ودعواه اضطرابه مردودة، لأن لقتادة فيه إسنادين، وهو حافظ، وأما تضعيفه لحديث أبي هريرة بعمر بن حمزة فهو مختلف في توثيقه، ومثله يخرج له مسلم في المتابعات، وقد تابعه الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، كما أشرت إليه عند أحمد وابن حبان، فالحديث بجميع طرقه صحيح. اهـ

ومن الواضح أن دفاع الحافظ ابن حجر في حاجة إلى دفاع. والله أعلم.

المسلك الثاني: دعوى النسخ، وإليها جنح الأثرم وابن شاهين، فقررا أن أحاديث النهي -على تقدير ثبوتها- منسوخة بأحاديث الجواز، بقرينة عمل الخلفاء الراشدين ومعظم الصحابة والتابعين بالجواز، وقد عكس ذلك ابن حزم، فادعى نسخ أحاديث الجواز بأحاديث النهي، متمسكاً بأن الجواز على وفق الأصل، وأحاديث النهي مقررة لحكم الشرع، فمن ادعى الجواز بعد النهي فعليه البيان، فإن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وأجاب بعضهم عن إشكال ابن حزم بأن أحاديث الجواز متأخرة، لما وقع منه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع [انظر روايتنا السادسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة] وإذا كان ذلك الأخير من فعله صلى الله عليه وسلم دل على الجواز، ويتأيد بفعل الخلفاء الراشدين بعده.

وقد حمل النووي على هذا القول مع سابقه، فقال: اعلم أن هذه الأحاديث أشكل معناها على بعض العلماء، حتى قال فيها أقوالاً باطلة، وزاد حتى تجاسر، ورام أن يضعف بعضها، وادعى فيها دعاوي باطلة، لا غرض لنا في ذكرها، وليس في الأحاديث إشكال، ولا فيها ضعيف، بل الصواب أن النهي فيها محمول على التنزيه، وشربه قائماً لبيان الجواز، وأما من زعم نسخاً أو غيره فقد غلط، فإن النسخ لا يصار إليه مع إمكان الجمع لو ثبت التاريخ، وأما قول عياض: لا خلاف بين أهل العلم في أن من شرب قائماً ليس عليه أن يتقيأ، وأشار به إلى تضعيف الحديث، فلا يلتفت إلى إشارته، وكون أهل العلم لم يوجبوا الاستقاءة لا يمنع من استحبابه، فمن ادعى منع الاستحباب بالإجماع فهو مجازف، وكيف تترك السنة الصحيحة بالتوهمات والدعاوي والترهات؟ .

المسلك الثالث: الجمع بين الخبرين بضرب من التأويل:

(أ) قال أبو الفرج الثقفي: المراد بالقيام في أحاديث النهي المشي، يقال: قام في

<<  <  ج: ص:  >  >>