للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائماً" وتقول الرواية الثانية عشرة "نهى أن يشرب الرجل قائماً" وقال أنس عن الأكل: "ذاك أشر أو أخبث" وتقول الرواية الخامسة عشرة "لا يشربن أحد منكم قائماً، فمن نسي فليستقئ" وتثبت الروايات السادسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائماً، وفي البخاري "أتى علي رضي الله عنه على باب الرحبة بماء، فشرب قائماً، فقال: إن ناساً يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم، وإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت" وفي رواية أخرى له "عن علي رضي الله عنه أنه صلى الظهر، ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة، حتى حضرت صلاة العصر، ثم أتي بماء، فشرب، وغسل وجهه ويديه، وذكر رأسه ورجليه، ثم قام، فشرب فضله، وهو قائم، ثم قال: إن ناساً يكرهون الشرب قائماً، وإن النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل ما صنعت" وقد ترجم البخاري لهذه الأحاديث بباب الشرب قائماً، ولم يخرج أحاديث النهي عن الشرب قائماً، وكأنه أشار بذلك إلى أنه لم يصح عنده الأحاديث الواردة في كراهة الشرب قائماً، كذا قال ابن بطال، وتعقبه الحافظ ابن حجر، فقال: وليس بجيد، بل الذي يشبه صنيعه أنه إذا تعارضت عنده الأحاديث لا يثبت الحكم. اهـ والجيد كلام ابن بطال، وكلام الحافظ ابن حجر، وإنما يتوجه لو أن البخاري ذكر أحاديث النهي وأحاديث الإثبات وترجم بدون إثبات الحكم لتعارض الأحاديث عنده، أما أنه لم يخرج أحاديث النهي فالوجه ما قاله ابن بطال.

وأخرج أحمد عن علي رضي الله عنه أنه شرب قائماً، فرأى الناس كأنهم أنكروه، فقال: ما تنظرون أن أشرب قائماً؟ فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائماً، وإن شربت قاعداً فقد رأيته يشرب قاعداً" وصحح الترمذي من حديث ابن عمر "كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نمشي، ونشرب، ونحن قيام" وفي الموطأ "أن عمر وعثمان وعلياً كانوا يشربون قياماً، وكان سعد وعائشة لا يرون بذلك بأساً".

أمام هذا سلك العلماء مسالك:

المسلك الأول: مسلك الترجيح، واعتماد أحاديث الجواز، وتضعيف أحاديث النهي، وهذه طريقة أبي بكر الأثرم، فقال: حديث أنس -يعني في النهي- روايتنا الحادية عشرة والثانية عشرة- جيد الإسناد، ولكن قد جاء عنه خلافه، يعني في الجواز، قال: ولا يلزم من كون الطريق إليه في النهي أثبت من الطريق إليه في الجواز، أن لا يكون الذي يقابله أقوى، ثم أسند أنس عن أبي هريرة قال: "لا بأس بالشرب قائماً" قال الأثرم: فدل على أن الرواية عنه في النهي ليست ثابتة، وإلا لما قال: لا بأس به، قال: ويدل على وهاء أحاديث النهي أيضاً اتفاق العلماء على أنه ليس على أحد شرب قائماً أن يستقئ. اهـ

وقال عياض: لم يخرج مالك ولا البخاري أحاديث النهي، وأخرجها مسلم من رواية قتادة عن أنس، ومن روايته عن أبي عيسى عن أبي سعيد، وهو معنعن، وكان شعبة يتقي من حديث قتادة ما لا يصرح فيه بالتحديث، وأبو عيسى غير مشهور، واضطراب قتادة فيه مما يعله، مع مخالفة الأحاديث الأخرى والأئمة له، وأما حديث أبي هريرة ففي سنده عمر بن حمزة، ولا يحتمل منه مثل هذا لمخالفة

<<  <  ج: ص:  >  >>