للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في السقاء، لأن ذلك ينتنه" قال الحافظ ابن حجر: وهذا يقتضي أن يكون النهي خاصاً بمن يشرب، فيتنفس داخل الإناء، أو باشر بفمه باطن السقاء، أما من صب من القربة داخل فمه، من غير مماسة، فلا.

(ج) ومنها أن الذي يشرب من فم السقاء قد يغلبه الماء، فينصب منه أكثر من حاجته، فلا يأمن أن يشرق به، أو تبتل ثيابه.

قال ابن العربي: واحدة من الثلاثة تكفي في ثبوت الكراهة، وبمجموعها تقوى الكراهة جداً، وقال ابن أبي جمرة: اختلف في علة النهي، فقيل: يخشى أن يكون في الوعاء حيوان، أو ينصب بقوة، فيشرق به، وقيل: لما قد يعلق بفم السقاء، من بخار النفس، أو بما يخالط الماء من ريق الشارب، فيتقذره غيره، أو لأن الوعاء يفسد بذلك في العادة، فيكون من إضاعة المال، قال: والذي يقتضيه الفقه أنه لا يبعد أن يكون النهي لمجموع هذه الأمور، وفيها ما يقتضي الكراهة، وفيها ما يقتضي التحريم، والقاعدة في مثل ذلك ترجيح القول بالتحريم.

وقد جزم ابن حزم بالتحريم، لثبوت النهي، وحمل أحاديث الرخصة على أصل الإباحة، وأطلق أبو بكر الأثرم، صاحب أحمد، أن أحاديث النهي ناسخة للإباحة، لأنهم كانوا يفعلون ذلك، حتى وقع دخول الحية في بطن الذي شرب من فم السقاء، فنسخ الجواز.

وجمع الحافظ ابن حجر بين أحاديث النهي وأحاديث الرخصة بقوله: لم أر في شيء من الأحاديث المرفوعة ما يدل على الجواز، إلا من فعله صلى الله عليه وسلم، وأحاديث النهي كلها من قوله، فهي أرجح، إذا نظرنا إلى علة النهي عن ذلك، فإن جميع ما ذكره العلماء في علة النهي يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم مأمون منها: أما أولاً فلعصمته، ولطيب نكهته، وأما ثانياً فلرفقه في صب الماء.

وقال شارح الترمذي: لو فرق بين ما يكون لعذر، كأن تكون القربة معلقة، ولم يجد المحتاج إلى الشرب إناء متيسراً، ولم يتمكن من التناول بكفه، فلا كراهة حينئذ، وعلى ذلك تحمل أحاديث الرخصة، وبين ما يكون لغير عذر، فتحمل عليه أحاديث النهي. قال الحافظ ابن حجر: ويؤيد هذا الجمع أن أحاديث الجواز كلها، فيها أن القربة كانت معلقة، والشرب من القربة المعلقة أخص من الشرب من مطلق القربة، ولا دلالة في أخبار الجواز على الرخصة مطلقاً، بل على تلك الصورة وحدها، وحملها على حال الضرورة، جمعاً بين الخبرين أولى من حملها على النسخ، وقد سبق ابن العربي بهذا التوجيه، فقال: يحتمل أن يكون شربه صلى الله عليه وسلم في حال ضرورة، إما عند الحرب، وإما عند عدم الإناء، أو مع وجوده لكن لم يتمكن من التفريغ من السقاء في الإناء، لشغله.

هذا. وقد نقل ابن التين وغيره عن مالك أنه أجاز الشرب من أفواه القرب، وقال: لم يبلغني فيه نهي، وبالغ ابن بطال في رد هذا القول، والحجة قائمة على من بلغه النهي. والله أعلم.

٦ - الأدب السادس عدم الشرب قائماً، وعنه تقول الرواية الحادية عشرة والثالثة عشرة أن النبي

<<  <  ج: ص:  >  >>