كان على المائدة أصناف متعددة، فيقول: فإن كان تمراً أو أجناساً فقد نقلوا إباحة اختلاف الأيدي في الطبق ونحوه، لكنه يميل إلى التعميم فيقول: والذي ينبغي تعميم النهي حملاً للنهي على عمومه، حتى يثبت دليل مخصص. اهـ
والذين يخصصون يستندون إلى ما رواه الترمذي عن عكراش رضي الله عنه قال "بعثني بنو مرة بصدقات أموالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدمت المدينة، فوجدته جالساً بين المهاجرين والأنصار، قال: ثم أخذ بيدي، فانطلق بي إلى بيت أم سلمة، فقال: هل من طعام؟ فأتتنا بجفنه كثيرة الثريد والودك -الدسم- فأقبلنا نأكل منها، فخبطت بيدي في نواحيها، وأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين يديه، فقبض بيده اليسرى على يدي اليمين، ثم قال: يا عكراش، كل من موضع واحد، ثم أتتنا بطبق فيه ألوان التمر، فجعلت آكل من بين يدي، وجالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطبق، قال: يا عكراش، كل من حيث شئت، فإنه غير لون واحد" والذي ترتاح إليه النفس أن يقال: إن كان الطعام الجاف أنواعاً متعددة، سواء أكانت في إناء واحد، أو في أوان متعددة جاز التنقل، وإن كان الأولى تركه، لأن الأدب يتطلب عدم مد الأيدي إلى البعيد، لما في ذلك من مظاهر الشره والحرص والأنانية، وإن كان نوعاً واحداً فلا يجوز، أما حديث الترمذي فهو محمول على ما إذا علم رضا من يأكل معه، على أنه ضعيف، قال الترمذي عنه: هذا حديث غريب، وقال ابن حبان في راويه: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: مجهول.
نعم الكراهة في الأطعمة السائلة أشد منها في الأطعمة الجافة، للفرق بين التقزز في كل. والله أعلم.
٥ - وأما النهي عن اختناث الأسقية فقد قال عنه النووي: اتفقوا على أن النهي عن اختناث الأسقية نهي تنزيه، لا تحريم، ويؤيده أحاديث الرخصة في ذلك، ومنها ما رواه الترمذي وغيره عن كبشة بنت ثابت، أخت حسان بن ثابت -رضي الله عنهما- قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشرب من قربة معلقة قائماً، فقمت إلى فيها، فقطعته، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقطعها لفم القربة فعلته لوجهين، أحدهما: أن تصون موضعاً أصابه فم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يبتذل، ويمسه كل أحد، والثاني أن تحفظه للتبرك به والاستسقاء، قال النووي: فهذا الحديث يدل على أن النهي ليس للتحريم. اهـ
وقد ورد لعلة النهي أمور منها:
(أ) أنه لا يؤمن دخول شيء من الهوام مع الماء في جوف السقاء، فيدخل فم الشارب، وهو لا يشعر، فعند ابن ماجه "أن رجلاً قام من الليل بعد النهي إلى سقاء، فاختنثه، فخرجت عليه منه حية".
قال الحافظ ابن حجر: وهذا يقتضي أنه لو ملأ السقاء، وهو يشاهد الماء يدخل فيه، ثم ربطه ربطاً محكماً، ثم أراد أن يشرب حله، فشرب منه، لا يتناوله النهي.
(ب) ومنها ما أخرجه الحاكم من حديث عائشة بسند قوي، بلفظ "نهى أن يشرب من