وقال ابن التين: الأمانة كل ما يخفى ولا يعلمه إلا الله من المكلف، وعن ابن عباس: هي الفرائض التي أمروا بها ونهوا عنها، وقيل: هي الطاعة، وقيل: هي التكاليف، وقال ابن العربي: المراد بالأمانة في حديث حذيفة الإيمان، وتحقيق ذلك فيما ذكر من رفعها: أن الأعمال السيئة لا تزال تضعف الإيمان، حتى إذا ما تناهى الضعف لم يبق إلا أثر الإيمان وهو التلفظ باللسان والاعتقاد الضعيف في ظاهر القلب، وقال حذيفة هذا القول لما تغيرت الأحوال التي كان يعرفها على عهد النبوة والخليفتين فأشار إلى ذلك بالمبايعة، وكني عن الإيمان بالأمانة، وعما يخالف أحكامه بالخيانة. اهـ.
فالأمانة في قول جميعهم: الطاعة والفرائض التي يتعلق بأدائها الثواب وبتضييعها العقاب.
وما الأمانة في الأموال إلا جزئية من جزئيات الأمانة في معناها الشرعي العام.
أما المبايعة المذكورة في الحديث فالمراد منها المبادلة بالبيع والشراء. قال النووي: حمل بعض العلماء المبايعة هنا على بيعة الخلافة وغيرها من المعاقدة والتحالف في أمور الدين. قال صاحب التحرير، والخطابي: وهذا خطأ من قائله، وفي الحديث مواضع تبطل قوله، منها قوله:"ولئن كان نصرانيًا أو يهوديًا" ومعلوم أن النصراني واليهودي لا يعاقد على شيء من أمور الدين. اهـ.
وقد يشكل على حديث حذيفة أن ظاهر قوله:"وأنا أنتظر الآخر" يفيد أن الأمانة لم ترفع، وأنه ينتظر رفعها، وقوله:"أما اليوم فما كنت لأبايع إلا فلانا وفلانا" يفيد أنها قد رفعت، وفي هذا تعارض.
وقد أجاب عن هذا الحافظ ابن حجر، فقال: إن آخر الحديث يدل على قلة من ينسب للأمانة بالنسبة إلى حال الأولين، فالذين أشار إليهم بقوله:"ما كنت لأبايع إلا فلانا وفلانا" هم من أهل العصر الأخير الذي أدركه، والأمانة فيهم بالنسبة إلى العصر الأول أقل، وأما الذي ينتظره، فإنه حيث تفقد الأمانة من الجميع إلا النادر.