للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

-[المعنى العام]-

صورة رائعة لمجالس الحكام والأمراء، صورة خالية من الغيبة والنميمة والوشاية والإيقاع بالناس، صورة يجتمع فيها الملك والدين والوعظ وملائكة الرحمة، صورة يفتتحها الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسؤال رعيته عما يحفظون من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتن، وصورة يجيب الصحابة فيها بما يعلمون، يجيبون بفتنة الرجل وامتحانه في زوجه وولده وماله وجاره، فيقول عمر: لست عن هذه أسأل، ليس هذا أريد، لم أسأل عن فتنة الخاصة، ولكن عن التي تموج كموج البحر، فسكت الحاضرون، حيث لم يكونوا يحفظون. قال حذيفة: أنا يا أمير المؤمنين، أحفظها كما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له عمر: أنت تحفظها يا حذيفة؟ حسنا. لله أبوك، هات إنك على ذكرها لجريء.

قال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تعرض الفتن على القلوب فتنة فتنة، كما يعرض ناسج الحصير على الخيط عودا عودا، فكل قلب يقبلها ينقط فيه نقطة سوداء، حتى يتحول نوره إلى ظلام، وحتى يطبع عليه الران، وحتى يغلق عن سماع الخير والمعروف، وحتى ينصرف إلى الشر والهوى، وحتى يندفع في تيار الإيذاء وسفك الدماء.

وكل قلب ينكرها يزداد نورا على نور، وإيمانا فوق إيمان، حتى يصبح الناس أمام الفتنة أحد رجلين، رجل قلبه بياض ناصع، لا يقبل الدخن، كالحجر الأملس الذي لا يقبل الشر، ورجل قلبه أسود لا يبصر ولا يعقل، فرفع عمر يديه، وقال: اللهم لا تدركني، فقال حذيفة: لا تخف لا بأس عليك منها يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها بابا مغلقا، يوشك أن يكسر، قال عمر: لا أب لك يا حذيفة، يكسر أو يفتح؟ قال: لا يفتح، بل يكسر. قال: أكسرا؟ قال: نعم. قال: إذا كسر لم يغلق، لو أنه فتح لعله كان يعاد. قال: يكسر ولا يغلق إلى يوم القيامة.

ثم قال حذيفة: يا أمير المؤمنين، إن هذا الباب الذي بينك وبينها رجل يقتل أو يموت وكان عمر رضي الله عنه يعلم أنه هو الباب علما مؤكدا، كما يعلم أن بعد النهار ليلا فاستعاذ من الفتنة. نعوذ بالله منها، ونسأله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة رب العالمين.

-[المباحث العربية]-

(يذكر الفتن) قال أهل اللغة: أصل الفتنة في كلام العرب الابتلاء والامتحان والاختبار، قال الراغب: أصل الفتن إدخال الذهب في النار لتظهر جودته من رداءته ويستعمل في إدخال الإنسان النار، ويطلق على العذاب، كقوله: {ذوقوا فتنتكم} [الذاريات: ١٤]، وعلى الاختبار كقوله: {وفتناك فتونا} [طه: ٤٠] وفيما يدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء، وفي الشدة أظهر معنى، وأكثر استعمالا، قال تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} [الأنبياء: ٣٥] ومنه قوله: {وإن كادوا ليفتنونك} [الإسراء: ٧٣] أي يوقعونك

<<  <  ج: ص:  >  >>