كثيراً بحيث يفضل عنهم فلا بأس بقرانه، لكن الأدب مطلقاً التأني في الأكل، وترك الشره، إلا أن يكون مستعجلاً -استعجالاً مشروعاً- قال: وقال الخطابي: إنما كان هذا في زمنهم، وحين كان الطعام ضيقاً، فأما اليوم -مع اتساع الحال- فلا حاجة إلى الإذن، وليس كما قال، بل الصواب ما ذكرنا من التفصيل، فإن الاعتبار بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، لو ثبت السبب، كيف وهو غير ثابت. اهـ
وظاهر كلام النووي وكلام الخطابي أن الهدف من هذا النهي رفع الغبن عن الشركاء في الأكل، ومفهومه أنه لو أكل وحده من ملكه لا يدخل في هذا النهي، وسياق روايتنا الخامسة يوحي بهذا الهدف، وعلل هذا بأنهم في ملكهم لهذا الطعام سواء، ولا يجوز أن يستأثر أحد بمال غيره إلا بإذنه، وإنما تقع المكارمة في ذلك إذا قامت قرينة الرضا، وقال مالك: ليس بجميل أن يأكل أكثر من رفقته وهو متعقب بأن الناس يختلفون في مقدار الأكل، وفي الاحتياج إلى التناول من الشيء، ولو حمل الأمر على التساوي لضاق، ولما ساغ لمن لا يكفيه اليسير أن يتناول أكثر من نصيب من يشبعه اليسير، والعرف في هذا مبني على المسامحة، لا على المشاحة، ومن العلماء من قرر أن الهدف من هذا النهي البعد عن مظاهر الشره، قال ابن الأثير في النهاية: إنما وقع النهي عن القران لأن فيه شرهاً، وذلك يزري بصاحبه، وذكر أبو موسى المديني عن عائشة وجابر استقباح القران، لما فيه من الشره والطمع المزري بصاحبه.
ونميل إلى أنهما علتان للنهي، كل منهما كافية للمنع. والله أعلم.
١٢ - ومن الرواية السابعة والثامنة فضيلة التمر.
١٣ - وجواز الادخار للعيال، والحث عليه.
١٤ - ومن الرواية التاسعة والعاشرة والحادية عشرة: فضيلة تمر المدينة وعجوتها، قال الخطابي: كون العجوة تنفع من السم والسحر إنما هو ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لتمر المدينة، لا لخاصية في التمر، وقال ابن التين: يحتمل أن يكون المراد نخلاً خاصاً بالمدينة، لا يعرف الآن، ويحتمل أن يكون ذلك خاصاً بزمانه صلى الله عليه وسلم، أو خاصاً بأغلب أهل زمانه. وقال القرطبي ظاهر الأحاديث خصوصية عجوة المدينة بدفع السم وإبطال السحر، وهو من باب الخواص التي لا تدرك بقياس ظني.
١٥ - وفضيلة التصبح بسبع تمرات. قال النووي: وعدد السبع من الأمور التي علمها الشارع، ولا نعلم نحن حكمتها، فيجب الإيمان بها، واعتقاد فضلها، والحكمة فيها، وهذا كأعداد الصلوات، ونصب الزكاة وغيرها. فهذا هو الصواب في هذا الحديث، وأما ما ذكره المازري والقاضي عياض فيه، فكلام باطل، فلا تلتفت إليه، ولا تعرج عليه، وقصدت بهذا التنبيه التحذير من الاغترار به. اهـ والنووي يشير إلى قول المازري عن سبع تمرات المدينة: هذا مما لا يعقل معناه في طريقة علم الطب، ولو صح أن يخرج لمنفعة التمر