٤٧٠٩ - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عاب طعاماً قط. كان إذا اشتهاه أكله. وإن لم يشتهه سكت.
-[المعنى العام]-
جاء الإسلام والعرب يكرمون الضيف، ويحتفلون به، بل ويعلنون عن أنفسهم لاستضافة من يرغب في الضيافة، ويعدون إكرام الضيف من مفاخرهم، ومن أمهات مكارم أخلاقهم، والرسالات السابقة وفي مقدمتها شريعة إبراهيم -عليه السلام- اهتمت بالضيف، وحثت على الإحسان إليه، وامتدحت من يكرمه، فهذا القرآن الكريم يقول:{هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين* إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلام قوم منكرون* فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين* فقربه إليهم}[الذاريات: ٢٤ - ٢٧] وجاء الإسلام فأكد هذه الشريعة، وجعلها من الإيمان، فيقول صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" ولم يكتف بهذا، بل جعل الضيافة حقاً واجباً للضيف على من ينزل به، فقد روى البخاري عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: قلنا يا رسول الله، إنك تبعثنا فننزل بقوم، فلا يقروننا. فما ترى؟ فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فأقبلوا، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم" بل قعد للضيافة قواعد وقوانين، ففي الصحيح "جائزة الضيف يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، فما زاد بعد ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يثوى عنده حتى يحرجه" أي إكرامه حق يوماً وليلة، فيتحفه صاحب البيت، ويتكلف له في اليوم الأول، ويقدم له طعام البيت العادي وما حضر يومين، فإذا قضى الثلاث فقد قضى حقه، فما زاد وعليها مما يقدمه له يكون صدقة، وإذا كان هذا واجب صاحب البيت فواجب الضيف أن يكون خفيف الظل، لا يقيم فوق الحاجة، ولا يتطلع إلى زيادة الإتحاف، ولا إلى عورات البيت الذي يؤويه، وقد سبقت بعض آداب الضيافة في الباب الماضي، وفي هذا الباب حقوق أخرى.
فعلى الرغم من ضيق حال المسلمين في أوائل الإسلام كانوا يؤثرون الضيف على أنفسهم وعلى صغارهم، فهذا الأنصاري، قد علم أن ضيفاً حاول الرسول صلى الله عليه وسلم استضافته، فلم يجد في بيت من بيوت أمهات المؤمنين سوى الماء، فتقدم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يعرض استضافته، وينطلق به إلى رحله وبيته، فيسأل زوجته: ماذا عندك من طعام لضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فتجيبه: ليس عندنا سوى ما يكفينا وصبيتنا مع التضييق علينا وعليهم، ولو قدمناه للضيف وحده ما كفاه، وكيف نفعل مع أولادنا الصغار الجياع؟ فقال لها زوجها: عللي الأطفال ومنيهم بالطعام، وضعي ماء على النار، توهمينهم أنه طعام ينضج، حتى يناموا بدون الطعام، وأوقدي المصباح، لنستقبل الضيف في نور لا يحس معه ضيق