ثم إن التكفير المذكور يحتمل أن يقع بنفس فعل الحسنات، ويحتمل أن يقع بالموازنة. والله أعلم.
والظاهر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعلم ما يعلمه حذيفة عن الفتنة، وإنما أراد أن يسمعه، وأن يسمعه الصحابة ليحذروه، يدل على ذلك ما رواه البخاري من أن حذيفة سئل: أكان عمر يعلم الباب؟ قال: نعم، كما يعلم أن دون غد الليلة. أي أن ليلة غد أقرب إلى اليوم من غد.
وقد روى الطبراني: "أن أبا ذر لقي عمر، فأخذ عمر بيده فغمزها، فقال له أبو ذر: أرسل يدي يا قفل الفتنة" وفيه "أن أبا ذر قال: لا تصيبكم فتنة ما دام فيكم" وأشار إلى عمر.
وروى البزار عن عثمان بن مظعون أنه قال لعمر: "يا غلق الفتنة" فسأله عن ذلك، فقال: مررت ونحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "هذا غلق الفتنة، لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش".
وقال ابن بطال: إنما علم عمر أنه الباب لأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم على حراء، وأبو بكر وعثمان، فرجف، فقال: "اثبت فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان" أو فهم ذلك من قول حذيفة إنه يكسر. اهـ. والظاهر أن ابن بطال إنما أراد الاستدلال على أن عمر كان يعلم أنه سيموت شهيدا مقتولا، لأن ما ذكره ينتج ذلك ولا ينتج أنه الباب.
ولهذا قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أن عمر علم الباب بالنص كما تقدم عن أبي ذر وعن عثمان بن مظعون.
فإن قيل: هل كان حذيفة يعلم أن عمر سيقتل؟ قلنا: الظاهر نعم فقد قال ابن المنير: آثر حذيفة الحرص على حفظ السر، ولم يصرح لعمر وإنما كنى كناية، وكأنه كان مأذونًا له في ذلك.
وقال النووي: يحتمل أن يكون حذيفة علم أن عمر يقتل، ولكنه كره أن يخاطبه بالقتل، لأن عمر كان يعلم أنه الباب، فأتى بعبارة يحصل بها المقصود بغير تصريح بالقتل. اهـ.
فإن قيل: إذا كان عمر قد علم ذلك، فهل شك فيه حتى سأل عنه؟ قلنا: يحتمل أنه شك فيه من شدة الخوف، أو خشي أن يكون نسي، فطلب التذكير أو لم يشك، وسأل ليعلم الحاضرين، وهذا هو الظاهر.
فإن قيل: ألم يكن أحد من الصحابة يحفظ حديث الفتنة غير حذيفة؟ قلنا: لعل من سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم من الصحابة ماتوا قبله.
-[ويؤخذ من الحديث]-
١ - جواز إطلاق اللفظ العام وإرادة الخاص، إذ تبين أن عمر لم يسأل إلا عن فتنة مخصوصة.
٢ - أن الأهل والأولاد والأموال والجار فتنة موقعة في الذنوب.