قال الزين بن المنير: والفتنة بالأهل تقع بالميل إليهن، أو عليهن، في القسمة والإيثار حتى في أولادهن، ومن جهة التفريط في الحقوق الواجبة لهن، وبالمال يقع الاشتغال به عن العبادة، أو بحبسه عن إخراج حق الله تعالى، والفتنة بالأولاد: تقع بالميل الطبيعي إلى الولد وإيثاره على كل أحد، والفتنة بالجار: تقع بالحسد والمغامرة، والمزاحمة في الحقوق، وإهمال التعاهد، ثم قال: وأسباب الفتنة بمن ذكر غير منحصرة فيما ذكرت من الأمثلة.
وقال الحافظ ابن حجر: فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكون بالالتهاء بهم أو أن يأتي لأجلهم بما لا يحل له، أو يخل بما يجب عليه.
ثم حكى إشكال ابن أبي جمرة على هذا، وحاصله، أن تكفير المحرمات والإخلال بالواجبات بالصلاة والصدقة مشكل، لأن الطاعات لا تسقط ذلك، وإن أريد تكفير الوقوع في المكروه والإخلال بالمستحب فلا يتناسب مع إطلاق التكفير.
ثم أجاب عن هذا الإشكال بالتزام الشق الأول، وأن الممتنع من تكفير الحرام والواجب ما كان كبيرة فهي التي فيها النزاع والخلاف، وأما الصغائر فلا نزاع أنها تكفر لقوله تعالى:{إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم}[النساء: ٣١] الآية. اهـ.
وقال: واحتج المرجئة بظاهر الحديث على أن أفعال الخير مكفرة للكبائر والصغائر، وحمله جمهور أهل السنة على الصغائر، عملا بحمل المطلق على المقيد. اهـ.
ونحن نميل إلى هذا الرأي، وإن كان الكلام في تحديد الصغائر من المحرمات والكبائر منها غير منضبط.
وقال بعض الشراح: يحتمل أن تكون كل واحدة من الصلاة والصيام والصدقة مكفرة للمذكورات كلها، لا لكل واحدة منها، ويحتمل أن يكون من باب اللف والنشر، بأن تكون الصلاة مثلا مكفرة للفتنة في الأهل والصوم في الولد .... إلخ.
والاحتمال الثاني ضعيف لا يعتد به، نعم قد تستقل الصلاة بتكفير ما ذكر، ويكون الصوم والصدقة ونحوها لرفع الدرجات وزيادة الحسنات إذا لم تجد من الصغائر ما تكفرها.
ثم إن المكفرات لا تختص بما ذكر، بل تعم العبادات، وإنما خصها بالذكر إشارة إلى عظم قدرها، وتنبيها بها على غيرها، فذكر من عبادة الأعمال الصلاة والصيام، ومن عبادة المال الصدقة، ومن عبادة الأقوال [في رواية البخاري] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثم إن التكفير لا يختص بفتنة الرجل في أهله وجاره وماله [الوارد في رواية البخاري] بل نبه بها أيضا على ما عداها، والضابط أن كل ما يشغل صاحبه عن الله فهو فتنة له.