والعشرين بباب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير على الرجال، وإباحته للنساء، وإباحة العلم ونحوه للرجل ما لم يزد على أربع أصابع.
فأعاد عنوان الباب السابق، من أجل الرواية الثالثة والرابعة والخامسة، أما الروايات من السادسة حتى السابعة والعشرين فلا تتعرض لآنية الذهب والفضة، كما ترجم للروايات الخامسة والعشرين والسادسة والعشرين والسابعة والعشرين بباب إباحة لبس الحرير للرجل، إذا كان به حكة ونحوهما.
ونحن نحصر الكلام في موضوعين أساسيين، أو في ثلاث نقاط: استعمال أواني الذهب والفضة في الطعام والشراب وغيرهما، ولبس الحرير واستعماله، وما يؤخذ من الأحاديث من الأحكام الإضافية.
أما الموضوع الأول: أو النقطة الأولى، فقد قال النووي: أجمع المسلمون على تحريم الأكل والشرب في إناء الذهب وإناء الفضة، على الرجل وعلى المرأة، ولم يخالف في ذلك أحد من العلماء، إلا ما حُكي عن داود وقول الشافعي في القديم، فهما مردودان بالنصوص والإجماع، وهذا إنما يحتاج إليه على قول من يعتد بقول داود في الإجماع والخلاف، وإلا فالمحققون يقولون: لا يعتد به، لإخلاله بالقياس، وهو أحد شروط المجتهد الذي يعتد به، ثم قال: وأما قول الشافعي القديم [وظاهره أن النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضة للتنزيه، لأن علته ما فيه من التشبه بالأعاجم] فقال صاحب التقريب: إن سياق كلام الشافعي في القديم يدل على أنه أراد أن نفس الذهب والفضة الذي اتخذ منه الإناء ليس حراماً، ولهذا لم يحرم الحلي على المرأة.
هذا كلام صاحب التقريب، وهو من متقدمي أصحابنا، وهو أتقنهم لنقل نصوص الشافعي، ولأن الشافعي رجع عن هذا القديم، والصحيح عند أصحابنا وغيرهم من الأصوليين أن المجتهد إذا قال قولاً، ثم رجع عنه، لا يبقى قولاً له، ولا ينسب إليه، قالوا: وإنما يذكر القديم، وينسب إلى الشافعي مجازاً، وباسم ما كان عليه، لا أنه قول له الآن، فحصل مما ذكرناه أن الإجماع منعقد على تحريم استعمال إناء الذهب وإناء الفضة في الأكل والشرب والطهارة، والأكل بملعقة من أحدهما، والتجمر بمجمرة منهما، والبول في إناء منهما، وجميع وجوه الاستعمال، ومنها المكحلة والميل وظرف الغالية -أو وعاء الطيب- وغير ذلك، سواء الإناء الصغير والكبير، ويستوي في التحريم الرجل والمرأة بلا خلاف، وإنما فرق بين الرجل والمرأة في التحلي لما يقصد منها من التزين للزوج والسيد، قال أصحابنا: ويحرم استعمال ماء الورد، والأدهان من قارورة الذهب والفضة، قالوا: فإن ابتلي بطعام في إناء ذهب أو فضة فليخرج الطعام إلى إناء آخر من غيرهما، ويأكل منه، فإن لم يكن إناء آخر فليجعله على رغيف إن أمكن، وإن ابتلي بالدهن في قارورة فضة فليصبه في يده اليسرى، ثم يصبه من اليسرى في اليمنى، ويستعمله. قال أصحابنا: ويحرم تزيين الحوانيت والبيوت والمجالس بأواني الفضة والذهب هذا هو الصواب، وجوزه بعض أصحابنا، قال: وهو غلط.
قال الشافعي والأصحاب: لو توضأ أو اغتسل من إناء الذهب أو الفضة عصى بالفعل، وصح وضوؤه وغسله، هذا مذهبنا، وبه قال مالك وأبو حنيفة والعلماء كافة، إلا داود، فقال: لا