يصح، والصواب الصحة، وكذا لو أكل منه أو شرب عصى بالفعل، ولا يكون المأكول والمشروب حراماً، هذا كله في حال الاختيار، أما إذا اضطر إلى استعمال إناء، فلم يجد إلا ذهباً أو فضة، فله استعماله في حال الضرورة بلا خلاف، صرح به أصحابنا، قالوا: كما تباح الميتة في حال الضرورة، قال أصحابنا: ولو باع هذا الإناء صح بيعه، لأنه عين طاهرة، يمكن الانتفاع بها بأن تسبك، وأما اتخاذ هذه الأواني من غير استعمال فللشافعي والأصحاب فيه خلاف، والأصح تحريمه، والثاني كراهته، فإن كرهناه استحق صانعه الأجرة، ووجب على كاسره أرش النقص، وإلا فلا.
وأما إناء الزجاج النفيس فلا يحرم بالإجماع، وأما إناء الياقوت والزمرد والفيروز ونحوها فالأصح عند أصحابنا جواز استعمالها، ومنهم من حرمها. هذا آخر كلام النووي -وقال الحافظ ابن حجر- وهو شافعي كالنووي-: والأكل في جميع الآنية مباح إلا إناء الذهب وإناء الفضة، واختلف في الإناء الذي فيه شيء من ذلك، إما بالتضبيب، وإما بالخلط، وإما بالطلاء، قال: وحديث حذيفة [روايتنا الرابعة] فيه النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضة، ويؤخذ منع الأكل بطريق الإلحاق، لكن [روايتنا الخامسة] فيها ذكر الأكل، فيكون المنع منه بالنص أيضاً، وهذا ظاهر في الذي جميعه ذهب أو فضة، أما المخلوط أو المضبب أو المموه، وهو المطلي فورد فيه حديث، أخرجه الدارقطني والبيهقي عن ابن عمر، رفعه "من شرب في آنية الذهب والفضة، أو إناء فيه شيء من ذلك، فإنما يجرجر في جوفه نار جهنم" قال البيهقي: المشهور عن ابن عمر موقوف عليه، وعند الطبراني في الأوسط، من حديث أم عطية "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفضيض الأقداح، ثم رخص فيه للنساء".
ونقل ابن المنذر الإجماع على تحريم الشرب في آنية الذهب والفضة، إلا عن معاوية بن قرة، أحد التابعين، فكأنه لم يبلغه النهي.
وقال القرطبي وغيره: في الحديث تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب، ويلحق بهما ما في معناهما، مثل التطيب والتكحل وسائر وجوه الاستعمالات، وبهذا قال الجمهور، وأغربت طائفة شذت، فأباحت ذلك مطلقاً، ومنهم من قصر التحريم على الأكل والشرب، ومنهم من قصره على الشرب، لأنه لم يقف على الزيادة في الأكل.
قال: واختلف في علة المنع، فقيل: إن ذلك يرجع إلى عينهما، ويؤيده قوله "هي لهم" وقيل: لكونهما الأثمان، وقيم المتلفات، فلو أبيح استعمالهما لجاز اتخاذ الآلات منهما، فيفضي إلى قلتهما بأيدي الناس، فيجحف بهم، ومثله الغزالي بالحكام، الذين وظيفتهم التصرف لإظهار العدل بين الناس، فلو منعوا التصرف لأخل ذلك بالعدل، فكذا في اتخاذ الأواني من النقدين حبس لهما عن التصرف الذي ينتفع به الناس، ويرد على هذا جواز الحلي للنساء من النقدين، وهذه العلة هي الراجحة عند الشافعية.
وقيل: علة التحريم السرف ويرد عليه جواز الحلي للنساء منهما، وجواز استعمال الأواني من الجواهر النفيسة، وغالبها أنفس وأكثر قيمة من الذهب والفضة، ولم يمنعها إلا من شذ، بل نقل بعضهم الإجماع على الجواز.