وقيل: علة التحريم الخيلاء وكسر قلوب الفقراء، ويرد عليه ما ورد في سابقه، إلا أن يقال: إن غالبية الفقراء لا يعرفون قيمة هذه الجواهر، فهي والزجاج عندهم سواء، فلا تنكسر قلوبهم، بخلاف الذهب والفضة.
وقيل: علة التحريم التشبه بالأعاجم، وفي ذلك نظر، لثبوت الوعيد لفاعله، ومجرد التشبه لا يصل إلى ذلك.
والأمر -عندي- يشبه أن تكون الحكمة في التحريم مجموع هذه الأمور، وكل منها جزء علة، ولا يضر وجود جزء العلة مع تخلف الحكم. والله أعلم.
ثم قال الحافظ ابن حجر: واختلف في اتخاذ الأواني، دون استعمالها، والأشهر المنع، وهو قول الجمهور، ورخصت فيه طائفة، وهو مبني على العلة في منع الاستعمال. والله أعلم.
الموضوع الثاني: لبس الحرير واستعماله، وعنه يقول النووي: لبس الحرير والإستبرق والديباج والقسي، كله حرام على الرجال، سواء لبسه للخيلاء أو غيرها، إلا أن يلبسه للحكة، فيجوز في السفر والحضر، وأما النساء فيباح لهن لبس الحرير بجميع أنواعه، وخواتيم الذهب وسائر الحلي منه ومن الفضة، سواء المزوجة وغيرها، والشابة والعجوز، والغنية والفقيرة.
وقال: هذا الذي ذكرناه من تحريم الحرير على الرجال، وإباحته للنساء هو مذهبنا ومذهب الجماهير، وحكى القاضي عن قوم إباحته للرجال والنساء، وعن ابن الزبير: تحريمه عليهما، ثم انعقد الإجماع على إباحته للنساء، وتحريمه على الرجال، ويدل عليه الأحاديث المصرحة بالتحريم، مع الأحاديث التي ذكرها مسلم في تشقيق علي رضي الله عنه الحرير بين نسائه، وبين الفواطم خمراً لهن، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بذلك، كما صرح به في الحديث [روايتنا الثامنة عشرة والتاسعة عشرة والمتممة للعشرين].
قال: وأما الصبيان فقال أصحابنا: يجوز إلباسهم الحلي والحرير في يوم العيد، لأنه لا تكليف عليهم، وفي جواز إلباسهم ذلك في باقي السنة ثلاثة أوجه: أصحها جوازه، والثاني تحريمه، والثالث يحرم بعد سن التمييز.
ثم قال النووي عن روايتنا الثانية عشرة، وخطبة ابن الزبير، وقوله "لا تلبسوا نساءكم الحرير، فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلبسوا الحرير، فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" قال النووي: هذا الحديث الذي احتج به إنما ورد في لبس الرجال لوجهين: أحدهما أنه خطاب ذكور، ومذهبنا ومذهب محققي الأصوليين أن النساء لا يدخلن في خطاب الرجال عند الإطلاق، والثاني أن الأحاديث الصحيحة التي ذكرها مسلم صريحة في إباحته للنساء، وأمره صلى الله عليه وسلم علياً وأسامة بأن يكسواه نساءهما مع الحديث المشهور أنه صلى الله عليه وسلم قال في الحرير والذهب: إن هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثها. اهـ أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم.