وسلم فحسن، ومن لبس وفرش ما فعله صلى الله عليه وسلم فخير، كان فراشه الذي يجلس عليه وينام عليه أحياناً حصيراً يؤثر في جنبه، وكان فراش بعض أصحابه وثيراً ناعماً طرياً، دخلت امرأة على عائشة -رضي الله عنها- فرأت فراش النبي صلى الله عليه وسلم عباءة من صوف مثنية، فبعثت إلى عائشة بفراش حشوه صوف منفوش، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، فرآه، فقال: رديه يا عائشة، والله لو شئت أجرى الله معي جبال الذهب والفضة، ورآه بعض أصحابه وقد أثر الحصير في جنبه، فقال: ألا نأتيك بشيء يقيك منه؟ فقال: ما لي وللدنيا.
وكان بساط سريره ليفاً مضفوراً مجدولاً، ويوم لان وضع عليه جلد مدبوغ حشوه ليف، وكانت وسادته التي يتكئ عليها، أو يضع رأسه عليها عند النوم من جلد حشوها ليف، في حين كانت مراتب ووسائد أصحابه من أنعم وأرقى ما وصل إليه عصرهم، ولم يكن ينهي المتنعم عن النعيم: اللهم إلا إذا خشي على بعضهم من الفخر والخيلاء، أو من المغالاة التي تلهي عن العمل الصالح، وتنسي الآخرة، وفيما وراء سياسة التقشف كان صلى الله عليه وسلم يلبس ما يتفق له، لبس الحبرة، وهي ثياب خضراء مخططة، كملحفة يلتحف بها، أو كثوب وقميص، وكانت من أحب الثياب إليه، لبس الحلة المكونة من إزار ورداء، لبس جبة شامية بألوان مختلفة، وكانت أحياناً ضيقة الكمين، فكان يخرج يديه للوضوء من تحت بدنه، لبس القباء، وهو المشقوق من الخلف، كقميص الصبي الصغير، لبس السراويل، وإن كان غالب لبسه الإزار، لبس البرود، وهي كساء أسود مربع فيه صور، لبس الشملة، وهي ما يلتحف به من الأنسجة، لبس النمرة -بفتح النون وكسر الميم، وهي الشملة التي فيها خطوط ملونة، كأنها جلد النمر، لبس بردين أخضرين، لبس الثياب البيض، ورغب في لبسها، لبس الحلة الحمراء، لبس الملابس الخفيفة في الصيف، والملابس الثقيلة والثخينة في الشتاء، لكنه حرص على أن لا يتشبه في اللباس بالكفار، ولا بالنساء، وأن يبتعد المسلمون بلباسهم عن الكبر والخيلاء، وأن لا تصل المغالاة في الثياب إلى التبذير والإسراف.
-[المباحث العربية]-
(الحبرة) بكسر الحاء وفتح الباء، وهي ثياب من كتان أو قطن، محبرة، أي مزينة، والتحبير التزيين والتحسين، ويقال: ثوب حبرة، بتنوين "ثوب" على الوصف، وثوب حبرة، على الإضافة، وهو أكثر استعمالاً، والحبرة مفرد، والجمع حبر وحبرات، كعنبة وعنب وعنبات، ويقال: ثوب حبير، على الوصف.
وقال الجوهري: الحبرة بوزن عنبة برد يمان، وقال الهروي: موشية مخططة، وقال الداودي: لونها أخضر، وحبه صلى الله عليه وسلم لها لأنها لباس أهل الجنة، وقال ابن بطال: هي برود اليمن، تصنع من قطن، وكانت أشرف الثياب عندهم.
(إزاراً غليظاً مما يصنع باليمن، وكساء من التي يسمونها الملبدة) في الرواية الرابعة "إزاراً وكساءً ملبداً" وفي ملحق الرواية "إزاراً غليظاً" قال العلماء: اللبد بفتح الباء، يقال: لبد الشيء بالشيء، بفتح الباء وكسرها، أي لزق والتصق، وألبد الشيء بالشيء ألصقه، ولبد الشيء بالشيء،