١١ - ومن الروايات الأخرى لضياع الخاتم قال ابن بطال: يؤخذ أن يسير المال إذا ضاع يجب البحث في طلبه، والاجتهاد في تفتيشه، قال الحافظ ابن حجر وفيه نظر، لأن الذي يظهر أنه إنما بالغ في التفتيش عليه لكونه أثر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد لبسه، واستعمله، وختم به، ومثل ذلك يساوي في العادة قدراً عظيماً من المال، وإلا لو كان غير خاتم النبي صلى الله عليه وسلم لاكتفى بطلبه بدون ذلك، وبالضرورة يعلم قدر المئونة التي حصلت في الأيام الثلاثة، وأنها تزيد على قيمة الخاتم، لكن اقتضت صفته عظم قدره، فلا يقاس عليه كل ما ضاع من يسير المال.
١٢ - قال ابن بطال: وفيه أن من فعل الصالحين العبث بخواتيمهم وما يكون بأيديهم، وليس ذلك بعائب لهم. قال الحافظ: وإنما كان كذلك لأن ذلك من مثلهم إنما ينشأ عن فكر، وفكرهم إنما هو في الخير.
١٣ - قال ابن بطال: وفيه أن من طلب شيئاً، ولم ينجح فيه بعد ثلاثة أيام، له أن يتركه، ولا يكون بعد الثلاث مضيعاً، وأن الثلاث حد يقع بها العذر في تعذر المطلوبات.
١٤ - ومن قوله "خاتم فضة في يمينه" في الرواية الثالثة عشرة، وقوله "وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى" في الرواية الرابعة عشرة، وضع الخاتم في إحدى اليدين، ووضعه في إحدى الأصابع. قال النووي: أما التختم في اليد اليمنى أو اليسرى فقد جاء فيه هذان الحديثان، وهما صحيحان، وقال الدارقطني: لم يتابع سليمان على زيادة "في يمينه" قال: وخالفه الحفاظ عن يونس، مع أنه لم يذكرها أحد من أصحاب الزهري. قال النووي: لم ينفرد بهذه الزيادة سليمان بن بلال، فقد اتفق طلحة وسليمان عليها، وكون الأكثرين لم يذكروها لا يمنع صحتها، فإن زيادة الثقة مقبولة. أما حكم المسألة عند الفقهاء فأجمعوا على جواز التختم في اليمين، وعلى جوازه في اليسار، ولا كراهة في واحد منهما، واختلفوا أيتهما أفضل؟ فتختم كثيرون من السلف في اليمين، وكثيرون في اليسار، واستحب مالك اليسار، وكره اليمين، وفي مذهبنا وجهان لأصحابنا، الصحيح أن اليمين أفضل، لأنه زينة، واليمين أشرف وأحق بالزينة والإكرام. اهـ
واستعرض الحافظ ابن حجر كثيراً من أحاديث وضع الخاتم في اليمين، وكثيراً من أحاديث وضع الخاتم في اليسار، فذكر:
روايتنا الثالثة عشرة، وما أخرجه الترمذي وابن سعد "صنع النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من ذهب، فتختم به في يمينه، ثم جلس على المنبر، فقال: إني كنت اتخذت هذا الخاتم في يميني، ثم نبذه"، وعند الطبراني في الأوسط عن ابن عمر "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه" ونحوه عند أبي الشيخ في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وعند أبي داود من طريق ابن إسحاق قال "رأيت على الصلت بن عبد الله خاتماً في خنصره اليمين، فسألته، فقال: رأيت ابن عباس يلبس خاتمه هكذا، وجعل فصه على ظهرها، ولا إخال ابن عباس إلا ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم" وعند الترمذي "رأيت ابن عباس يتختم في يمينه، ولا إخاله إلا قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه" وأخرج أبو داود والنسائي عن علي "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه" وفي الباب عن جابر وعائشة وأبي أمامة وأبي هريرة.