عن تغيير الشيب [أورد الطبري حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، رفعه، بلفظ "من شاب شيبة فهي له نور، إلى أن ينتفها أو يخضبها" وحديث ابن مسعود "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره خصالاً"[فذكر منها تغير الشيب] ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يغير شيبه، وروي هذا عن عمر وعلي وأبي وآخرين -رضي الله عنهم- وقال آخرون: الخضاب أفضل، وخضب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، للأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره، ثم اختلف هؤلاء، فكان أكثرهم يخضب بالصفرة، منهم ابن عمر وأبو هريرة وآخرون، وروي ذلك عن علي، وخضب جماعة منهم بالحناء والكتم [بفتح الكاف والتاء، نبات باليمن والمناطق الجبلية بإفريقية والبلاد الحارة والمعتدلة، ثمرتها تشبه الفلفل، وبها بذرة واحدة، وتسمى فلفل القرود، وكانت تستعمل قديماً في الخضاب وصنع المداد، ولونها أسود يميل إلى الحمرة، وصبغ الحناء أحمر، فخلطهما والصبغ بهما معاً يخرج بين السواد والحمرة] وبعضهم بالزعفران، وخضب جماعة بالسواد، روي ذلك عن عثمان والحسن والحسين ابني علي، وعقبة بن عامر وابن سيرين وابن أبي بردة وآخرين.
قال القاضي: قال الطبراني: الصواب أن الآثار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير الشيب وبالنهي عنه كلها صحيحة، وليس فيها تناقض، بل الأمر بالتغيير لمن شيبه كشيب أبي قحافة، والنهي لمن له شمط فقط [الشمط اختلاط بياض الشعر بسواده] قال: واختلاف السلف في فعل الأمرين بحسب اختلاف أحوالهم في ذلك، مع أن الأمر والنهي في ذلك ليس للوجوب بالإجماع، ولهذا لم ينكر بعضهم على بعض خلافه في ذلك. قال: ولا يجوز أن يقال فيهما: ناسخ ومنسوخ. قال القاضي: وقال غير الطبراني: هو على حالين: فمن كان في موضع عادة أهله الصبغ، أو تركه فخروجه عن العادة شهرة ومكروه، والثاني أنه يختلف باختلاف نظافة الشيب، فمن كانت شيبته بدون صبغ أحسن منها مصبوغة، فالترك أولى، ومن كانت شيبته تستبشع، فالصبغ أولى. قال النووي: هذا ما نقله القاضي، والأصح الأوفق للسنة ما قدمناه عن مذهبنا. اهـ
وقد روى البخاري أن أنساً رضي الله عنه "سئل عن خضاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه لم يبلغ ما يخضب -أي الحالة التي تحتاج إلى خضاب- لم يبلغ الشيب إلا قليلاً""لو شئت أن أعد شمطاته في لحيته" كما روي عن قتادة، قال: سألت أنساً: هل خضب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا. إنما كان شيء في صدغيه" وعن أنس "وقبض وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء. قال ربيعة الراوي عن أنس في رواية أخرى "فرأيت شعراً من شعره فإذا هو أحمر، فسألت. فقيل: أحمر من الطيب" كما روي عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: "دخلت على أم سلمة، فأخرجت إلينا شعراً من شعر النبي صلى الله عليه وسلم مخضوباً" زاد أحمد "بالحناء والكتم" وفي رواية أخرى للبخاري عن ابن موهب "أن أم سلمة أرته شعر النبي صلى الله عليه وسلم أحمر" وفي رواية الإسماعيلي عن حريز بن عثمان قال: "رأيت عبد الله بن بسر، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم بحمص، والناس يسألونه، فدنوت منه، وأنا غلام، فقلت: أنت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قلت: شيخ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أم شاب؟ قال: فتبسم" وفي رواية له "فقلت له: أكان النبي صلى الله عليه وسلم صبغ؟ قال: يابن أخي، لم يبلغ ذلك" وفي رواية "كان في عنفقته شعرات بيض".
قال الحافظ ابن حجر: قال الإسماعيلي: ليس في الحديث بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي خضب، بل يحتمل أن يكون احمر بعده، لما خالطه من طيب فيه صفرة، فغلبت به الصفرة. قال: فإن كان كذلك،