٢ - النقطة الثانية: في المراد بالملائكة الذين يدخلون البيوت، والذين يمتنعون، وفيها يقول النووي: وأما هؤلاء الملائكة الذين لا يدخلون بيتاً فيه كلب أو صورة، فهم ملائكة يطوفون بالرحمة والتبريك والاستغفار، وأما الحفظة فيدخلون كل بيت، ولا يفارقون بني آدم في كل حال، لأنهم مأمورون بإحصاء أعمالهم وكتابتها، وقال القرطبي: كذا قال بعض علمائنا، والظاهر العموم، والدال على كون الحفظة لا يدخلون ليس نصاً، قال الحافظ ابن حجر: ويؤيده أنه من الجائز أن يطلعهم الله تعالى على عمل العبد، ويسمعهم قوله، وهم بباب الدار، التي هو فيها مثلاً.
وقيل: المراد بالملائكة ملائكة الوحي، جبريل عليه السلام خاصة، نقل هذا عن ابن وضاح والداودي وغيرهما، ويلزم منه اختصاص النهي بعهد النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الوحي انقطع بعده، وبانقطاعه انقطع نزولهم، ومن هنا ادعى ابن حبان أن هذا الحكم خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال: وهو نظير حديث "لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس" قال: فإنه محمول على رفقة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ محال أن يخرج الحاج والمعتمر لقصد بيت الله عز وجل، على رواحل، لا تصحبها الملائكة، وهم وفد الله. اهـ
وبعضهم يخصص عموم الملائكة بالصفة، أي لا يدخله الملائكة دخولاً كريماً، كدخولهم بيتاً لا كلب فيه ولا صورة.
والتحقيق أن الملائكة لا تؤخذ على عمومها قطعاً، فهناك ملائكة لا يتوقع دخولها أصلاً، فلا ينفي دخولها وهناك الحفظة الذين يستبعد جداً أن لا يصاحبوا رفقة فيها كلب أو جرس، وإذا كان لا بد من التخصيص فالأولى أن يراد بهم ملائكة رحمة، وأن يخصص البيت بالمكان الذي تكون فيه الصورة أو الكلب من حجرة أو مكتب ونحو ذلك.
ثم إن عدم دخولهم مكاناً ما، وعدم وقوع الرحمة فيه عن طريق دعائهم لا يمنع من إلحاق دعائهم بالرحمة للعبد وهم بعيدون أو وهو في طريقه أو في عمله، فعدم دخولهم البيت لا يلزمه أن السبب محرم، فهم لا يدخلون والمرء يتبرز أو يجامع حلالاً. والله أعلم.
٣ - النقطة الثالثة: حكم صنعة التصوير، وعنها يقول النووي: قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام، شديد التحريم، وهو من الكبائر، لأنه متوعد عليه الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث، سواء صنعه بما يمتهن، أو بغيره، فصنعته حرام بكل حال، لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى، وسواء ما كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها، وأما تصوير صورة الشجر ورحال الإبل، وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان، فليس بحرام، ثم قال: وهذه الأحاديث [يشير إلى الرواية الحادية عشرة وما بعدها] صريحة في تحريم صور الحيوان، وأنه غليظ التحريم، وأما الشجر ونحوه مما لا روح فيه، لا تحرم صنعته، ولا التكسب به، وسواء الشجر المثمر وغيره، وهذا مذهب العلماء كافة إلا مجاهداً، فإنه جعل الشجر المثمر من المكروه. قال القاضي: لم يقله أحد غير مجاهد، واحتج مجاهد بقوله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي. واحتج الجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم "ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم" أي اجعلوه حيواناً ذا روح، كما ضاهيتم، ويؤيده حديث ابن عباس [روايتنا المتممة للعشرين] وفيها "إن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له".