للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أما صبيان العرب قبل البلوغ، فكان الآباء يحلقون لأبنائهم على رغبات مختلفة، حلق الجميع، أو ترك الجميع، أو عمل القصة، أو عمل الذؤابة، أو حلق جزء وبقاء جزء، ولعل هذا النوع الأخير كان عرضة لتجمع الأوساخ في الجزء الطويل، لإهماله بسبب ما حوله من شعر قصير، فنهي عنه على أنه القزع، ولعل البعض كان يغرب في التشكيل، حتى تمجه العادة، فتسقط به المروءة فنهي عنه.

أما رجال العرب فكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون، وكان صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، فسدل النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كان يحب مخالفة أهل الكتاب، ففرق شعره، وكان شعره صلى الله عليه وسلم رجلاً، ليس بالسبط الناعم، ولا الجعد، وكان طويلاً وفيراً يصل أحياناً إلى كتفيه، وكان يقصه أحياناً، فلا يجاوز الأذنين.

أما الصحابة فمنهم من كان يفرق شعره فرقتين، يضفر ويجدل كل واحدة منهما، أو يسدلها، ومنهم من كان يسدل من غير فرق، ولم يعب أحد منهم على الآخر.

وهكذا كان شعر الرأس ومازال أمراً ميسوراً، لا يخضع إلا لقواعد عدم الوصل، وعدم الخداع، وعدم المبالغة، وعدم مخالفة العرف مخالفة جارحة للمروءة. والله أعلم.

-[المباحث العربية]-

(نهى عن القزع) بفتح القاف والزاي، جمع قزعة، وهي القطعة من السحاب، وسمي شعر الرأس إذا حلق بعضه وترك بعضه قزعاً تشبيهاً بالسحاب المتفرق. وفي كتب اللغة: قزع الكبش ونحوه -بفتح القاف وكسر الزاي- يقزع بفتح الزاي، قزعاً- سقط بعض صوفه، وبقي بعضه، متفرقاً، وقزع الصبي إذا حلق رأسه، وترك بعض الشعر متفرقاً في مواضع منه، فهو أقزع، وهي قزعاء، والقزعة بفتح القاف وتشديد الزاي المفتوحة خصل من الشعر، تترك على رأس الصبي، كالذوائب، متفرقة في نواحي الرأس، وتطلق على القليل من الشعر في وسط الرأس.

وقد فسره الراوي في روايتنا بأنه حلق بعض رأس الصبي، وترك بعضه مطلقاً، قال النووي: ومنهم من قال: هو حلق مواضع متفرقة منه. قال: والصحيح الأول، لأنه تفسير الراوي، وهو غير مخالف للظاهر، فوجب العمل به. اهـ

وقد روى البخاري "قال عبيد الله: قلت: وما القزع؟ فأشار لنا عبيد الله، قال: إذا حلق الصبي وترك ههنا شعرة، وههنا، وههنا، فأشار لنا عبيد الله إلى ناصيته، وجانبي رأسه" فهذا تفسير آخر للراوي، وهو مقيد، وما رجحه النووي مطلق، فينبغي حمل المطلق على المقيد، بل لقد حدد الراوي في رواية البخاري ما أشار إليه بههنا وههنا وههنا بقوله "ولكن القزع أن يترك بناصيته شعر -وليس في رأسه غيره- وكذلك شق رأسه هذا وهذا" فهو بهذا حلق مواضع معينة من الرأس، وترك مواضع معينة متفرقة منه، وقد جاء تفسير ثالث للقزع عند أبي داود عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع، وهو أن يحلق رأس الصبي ويتخذ له ذؤابة".

<<  <  ج: ص:  >  >>