من أجله فضيلة والفضائل من شعائر الإسلام، ولو كانت جاهلية، أما الرذائل التي كانت توجه للطفلة البريئة فقد حاربها الإسلام بقوة، ويكفي في ذلك قوله تعالى:{وإذا الموءودة سئلت* بأي ذنب قتلت}[التكوير: ٨، ٩]؟ وقوله تعالى {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهم كظيم* يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون}[النحل: ٥٨، ٥٩].
ولم يقف الإسلام عند رفع المذلة والإهانة عن الطفلة البريئة والصبية والمرأة، بل أعطاها حقوقاً كثيرة كريمة، فعن الطفلة اختار لها الأسماء الحسنة، كما يختار للذكر، وقد مر بنا أن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسم ابنة لعمر رضي الله عنه من اسم "عاصية" إلى اسم "جميلة".
وشرع العقيقة والذبيحة للبنت عند قدومها، فقد أخرج أصحاب السنن من حديث أم كرز "أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن العقيقة؟ فقال: عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة" وروى البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "أن اليهود كانت تعق عن الغلام كبشاً، ولا تعق عن الجارية، فعقوا عن الغلام كبشين، وعن الجارية كبشاً" وعند أحمد "العقيقة حق، عن الغلام شاتان متكافئتان، وعن الجارية شاة" بل ذهب الإمام مالك إلى أن عقيقة الأنثى كعقيقة الذكر، فيعق عن كل منهما شاة.
نعم. أبقى الإسلام ميزات الطفل الذكر وحب الناس له، بل زادها بتبريكه عند الرجل الصالح، وليس هناك من هو أصلح، وترجى بركته من النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان صلى الله عليه وسلم يؤتى بالصبيان، فيدعو لهم بالبركة ويمضغ تمرة بفمه، ثم ينقلها إلى فم الطفل، ليكون ريقه صلى الله عليه وسلم من أول الأشياء التي تدخل جوف الصبي، فتحل فيه بركته صلى الله عليه وسلم، وتسابقت الوالدات في الحصول على هذه البركة لأطفالهن، وها هي أم سليم، زوج أبي طلحة الأنصاري، أم أنس رضي الله عنه تلد غلاماً. فتقول لابنها أنس: احمل هذا الطفل، واذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وخذ معك تمرات، ليمضغها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيلقيها في فمه، حتى يكون أول شيء يدخل جوف الصبي ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعل أنس، وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، مضغ التمرات، وفتح فم الصبي، فوضعها في فمه، فأخذ الطفل يلعب بلسانه، لتدخل جوفه، ثم أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم إصبعه في فم الصبي، وأخذ يديره في حلقه مع عجينة التمر، يحنكه بها، وهو يدعو له بالبركة، وسماه عبد الله، فكان أن ولد لعبد الله هذا عشرة ذكور، كلهم يحفظون القرآن.
وهذه أسماء بنت أبي بكر زوج الزبير بن العوام، تهاجر إلى المدينة مع أختها عائشة، ومع فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، تهاجر وهي حامل في شهرها الأخير، فتلد في قباء، فتحمل ابنها إلى المدينة، وإلى بيت أبيها أبي بكر، وتبحث عائشة في البيت عن تمرة، فلا تجد تمرة في البيت إلا بعد جهد جهيد، فتأخذ الطفل والتمرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيمضغ التمرة، ويحنك بها الطفل، ويدعو له، ويباركه، ويسميه عبد الله، وكان عبد الله هذا أول مولود يولد للمهاجرين بالمدينة، فقد مكثوا شهوراً دون أن يولد لهم، حتى قيل: إن اليهود سحرتهم، فلا يولد لهم، فلما علم المسلمون بمولد عبد الله بن الزبير، فرحوا وكبروا تكبيرة ارتجت لها المدينة.