وسأل رجل حذيفة "أستأذن على أمي؟ قال: إن لم تستأذن عليها رأيت ما تكره" والاستئذان أيضاً مشروع للنساء، إذا أردن الدخول على نساء، والحكمة حماية أسرار أهل البيت من أن يطلع عليها من لا يحبن الاطلاع عليها.
وهل يحتاجه المرء في دخوله منزله الذي لا يسكنه غيره؟ قيل: لا، لفقد العلة التي من أجلها شرع الاستئذان، وقيل: إن احتمل أن يتجدد فيه ما يحتاج معه إلى الإذن شرع له.
والحكمة في كون الاستئذان ثلاثاً جاءت في حديث أخرجه البيهقي في الشعب وابن أبي حاتم عن قتادة أنه قال:"كان يقال: الاستئذان ثلاث، أما الأولى فليسمع أهل البيت، وأما الثانية فليأخذوا حذرهم ويستعدوا، وأما الثالثة فإن شاءوا أذنوا، وإن شاءوا لم يأذنوا".
واختلف العلماء في الزيادة على الثلاث، قال ابن عبد البر: فذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا تجوز الزيادة على الثلاث، وقال بعضهم: إذا لم يسمع فلا بأس أن يزيد، وروي عن مالك لا أحب أن يزيد على الثلاث إلا من علم أنه لم يسمع، قال الحافظ ابن حجر: وهو الأصح عند الشافعية. قال ابن عبد البر: وقيل: تجوز الزيادة مطلقاً، بناء على أن الأمر بالرجوع بعد الثلاث للإباحة والتخفيف عن المستأذن، فمن استأذن أكثر فلا حرج عليه، قال النووي: إذا استأذن ثلاثاً، فلم يؤذن له، وظن أنه لم يسمعه، ففيه ثلاثة مذاهب: أشهرها أنه ينصرف، ولا يعيد الاستئذان، والثاني يزيد فيه، والثالث إن كان بلفظ الاستئذان المتقدم لم يعده، وإن كان بغيره أعاده، فمن قال بالأظهر، فحجته قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث "فلم يؤذن له فليرجع" ومن قال بالثاني حمله على من علم، أو ظن أنه سمعه، فلم يأذن.
-[ويؤخذ من أحاديث الباب فوق ما تقدم]-
١ - من أحاديث أبي موسى وعمر -رضي الله عنهما- أخذ بعضهم أنه لا يحتج بخبر الواحد، وزعم أن عمر رضي الله عنه رد حديث أبي موسى هذا، لكونه خبر واحد. قال النووي: وهذا مذهب باطل، وقد أجمع من يعتد به على الاحتجاج بخبر الواحد، ووجوب العمل به، ودلائله من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وسائر الصحابة ومن بعدهم أكثر من أن تحصر.
قال: وأما قول عمر لأبي موسى: أقم عليه البينة، فليس معناه رد خبر الواحد، من حيث هو خبر الواحد، ولكن خاف عمر مسارعة الناس إلى القول على النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يتقول عليه بعض المبتدعين أو الكاذبين أو المنافقين ونحوهم ما لم يقل، وأن كل من وقعت له قضية وضع فيها حديثاً على النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد سد الباب، خوفاً من غير أبي موسى، لا شكاً في رواية أبي موسى، فإنه عند عمر أجل من أن يظن به أن يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، بل أراد زجر غيره بطريقه، فإن من دون أبي موسى، إذا رأى هذه القضية، أو بلغته، وكان في قلبه مرض، أو أراد وضع حديث، خاف من مثل قضية أبي موسى، فامتنع من وضع الحديث والمسارعة إلى الرواية بغير يقين، ومما يدل على أن عمر لم يرد رد خبر أبي موسى لكونه خبر واحد أنه طلب منه إخبار رجل آخر، حتى يعمل بالحديث، ومعلوم أن خبر الاثنين خير من خبر واحد، وكذا ما زاد، حتى يبلغ التواتر، فما لم يبلغ التواتر فهو خبر واحد، ومما يؤيده أيضاً ما ذكره مسلم في الرواية الخامسة