اشتغالهم، فلو روعي لم يحصل امتثال الإفشاء، وقال ابن دقيق العيد: احتج من منع السلام على من في الحمام بأنه بيت الشيطان، وليس موضع التحية، لاشتغال من فيه بالتنظيف، قال: وليس هذا المعنى بالقوي في الكراهة، بل يدل على عدم الاستحباب. قال الحافظ ابن حجر: وقد ثبت في صحيح مسلم عن أم هانئ "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يغتسل، وفاطمة تستره، فسلمت عليه".
قال النووي: وأما السلام حال الخطبة في الجمعة فيكره، للأمر بالإنصات، ولو سلم لم يجب الرد، عند من قال: الإنصات واجب، ويجب عند من قال: إنه سنة، وعلى الوجهين لا ينبغي أن يرد أكثر من واحد، وأما المشتغل بقراءة القرآن، فقال الواحدي: الأولى ترك السلام عليه، فلو سلم عليه كفاه الرد بالإشارة، وإن رد لفظاً استأنف الاستعاذة وقرأ، وقال النووي: وفيه نظر، والظاهر أنه يشرع السلام عليه، ويجب عليه الرد.
ولو سلم على المصلي جاز أن يرد السلام بالإشارة، فقد وردت أحاديث جيدة أنه صلى الله عليه وسلم رد السلام وهو يصلي، إشارة، منها حديث أبي سعيد "أن رجلاً سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي، فرد عليه، إشارة".
قال النووي: وأما من كان مشتغلاً بالدعاء، مستغرقاً فيه، مستجمع القلب، فيحتمل أن يقال: هو كالقارئ، والأظهر عندي أنه يكره السلام عليه، لأنه يتنكد به، ويشق عليه أكثر من مشقة الأكل، وأما الملبي في الإحرام، فيكره أن يسلم عليه، لأن قطعه التلبية مكروه، ويجب عليه الرد مع ذلك لفظاً أن لو سلم عليه، قال: ولو تبرع واحد من هؤلاء برد السلام، إن كان مشتغلاً بالبول ونحوه فيكره، وإن كان آكلاً، ونحوه فيستحب في الموضع الذي لا يجب فيه، وإن كان مصلياً لم يجز أن يقول بلفظ المخاطبة، كعليك السلام، أو عليك فقط، فلو فعل بطلت، إن علم التحريم، لا إن جهل في الأصح، فلو أتى بضمير الغيبة لم تبطل، ويستحب أن يرد بالإشارة، وإن رد بعد فراغ الصلاة لفظاً فهو أحب، وإن كان مؤذناً أو ملبياً لم يكره له الرد لفظاً، لأنه قدر يسير، لا يبطل الموالاة. اهـ
وتعقب بأن التعليل الذي ذكره في تنكد الداعي يأتي مثله في القارئ، وما ذكره في بطلان الصلاة إذا رد السلام بالخطاب، ليس متفقاً عليه، فعن الشافعي نص في أنه لا تبطل، لأنه لا يرد حقيقة الخطاب بل الدعاء، وإذا عذرنا الداعي والقارئ بعدم الرد، فرد بعد الفراغ، كان مستحباً. وذكر بعض الحنفية أن من جلس في المسجد للقراءة، أو للتسبيح، أو لانتظاره الصلاة، لا يشرع السلام عليهم، وإن سلم عليهم لم يجب الجواب، قال: وكذا الخصم إذا سلم على القاضي لا يجب عليه الرد، وكذلك الأستاذ إذا سلم عليه تلميذه لا يجب الرد عليه. كذا قال، وهذا الأخير لا يوافق عليه.
ولا يسلم على مكشوف العورة، ولا على درس العلم، ولا على رجل معه امرأة شابة، ولو سلم على هؤلاء لم يجب الرد. والله أعلم.
٤ - وحديث الباب يحدد المطالبين بالبدء بالسلام "يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير" وعند البخاري "يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد".