للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

-[المعنى العام]-

طريق الناس وظلهم بيئة عامة، ينتفع بها الغني والفقير، والعظيم والحقير، والكبير والصغير، فمن أفسد فيه مفسدة فقد أفسد على الناس، ومن وضع فيه عائقاً، فقد حال بين الناس وبين الانتفاع به، ومن هنا نهى الشارع عن التبول والتبرز في طريق الناس وظلهم، بل حرض المسلمين على إزالة الأذى عنه، وتهيئته للمارة، فرجل أزال غصن شوك من الطريق، غفر الله له وأدخله الجنة. وحرص الشارع على كل ما يضمن للمارة الراحة والوسع وحرية الذهاب والمجيء، وكان من المضايقات جلوس الناس أفراداً وجماعات على قارعة الطريق، إنهم يؤذون المارة بأبصارهم، فيفتنونهم، أو يفتتنون بهم، ويكتشفون ما يخفونه من أمور حياتهم، ومستور عوراتهم، يتغامزون عليهم، ويسخرون منهم، ويعيبونهم، ويغتابونهم، كان هذا الجلوس على الطريق في صدر الإسلام، نهاراً أو ليلاً عادة منتشرة، سهلها وأعان عليها فراغ كبير، وقلة عمل، وضعف مجالات السعي، فإبلهم وأبقارهم وغنمهم تسرح قطعاناً وحدها، أو مع صبي صغير، تخرج خماصاً صباحاً وتعود بطاناً عند الغروب من كلأ مباح، وتجارتهم المتواضعة في أيدي نفر قليل منهم، يسعى بها لنفسه، ولملأ من قومه، فجلوسهم بكثرة على المساطب أمام ساحات البيوت الواسعة، والأفنية الكبيرة، أمر دفعت إليه البيئة، واحتاجها المجتمع، لم تكن هناك المقاهي والنوادي والمسارح الموجودة اليوم للعاطلين، وإيذاء المارة على هذه الحالة أمر لازم، فكيف يعالج المشرع هذه المشكلة؟ ليس من السهل أن يصدر أمراً بمنع الجلوس على الطرقات، فهو يعلم علم اليقين أن في ذلك مشقة عليهم، والدين يسر، فليكن الأمر بذلك وسيلة للشكوى منهم، فتستجاب الشكوى، وتوضع الضوابط المطلوبة والآداب الوافية، فيكونون بين أمرين، لا ثالث لهما، مر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم جلوس على قارعة طريق، فوقف، فقال: ما لكم وللجلوس على الطريق؟ اجتنبوا الجلوس على الطريق، إياكم والجلوس على الطريق.

فزعوا من الأمر، وانزعجوا من هذا النهي، وقال قائلهم: يا رسول الله، هذه مجالسنا التي لا غنى لنا عنها، نتحدث فيها، ونتذاكر فيها ما جرى ويجري لنا، فقال المشرع الحكيم: إما أن تجتنبوا الجلوس فيها، وإما أن تؤدوا حقها. قالوا: مستعدون أن نؤدي حقها، فما حقها؟ وما الواجب لها؟ قال: غض البصر عن الحرمات، وعدم إيذاء المارة بألسنتكم وإشاراتكم ورد السلام على من سلم عليكم منهم، وإرشاد ضالهم، وإجابة سائلهم، وإعانة مظلومهم ومحتاجهم، وإغاثة ملهوفهم، وأمرهم بالمعروف إذا تركوه، ونهيهم عن منكر فعلوه، وذكر الله كثيراً. قالوا: سمعنا وأطعنا.

-[المباحث العربية]-

(كنا قعوداً بالأفنية) "قعود" بضم القاف، جمع قاعد، والأفنية جمع فناء بكسر الفاء، وبالمد، وقد تقصر، وهو المكان المتسع أمام الدار، ويتبع الدار، كحرم لها، وتبنى عليه المساطب، والمعنى: كنا جلوساً بفناء من الأفنية، والمتكلم أبو طلحة، يقصد نفسه وأصدقاءه.

(نتحدث) جملة مستأنفة استئنافاً تعليلياً، في جواب سؤال مقدر، أي لم كنتم تجلسون؟ أو استئنافاً بيانياً، كأن سائلاً سأل: ماذا كنتم تفعلون؟ .

<<  <  ج: ص:  >  >>