الرجل على دابته، فيحمله عليها، ويرفع له عليها متاعه صدقة" وأما إعانة المظلوم، فله شاهد تقدم في كتاب المظالم، وأما إغاثة الملهوف، فله شاهد في الصحيحين، من حديث أبي موسى، وفيه "ويعين ذا الحاجة الملهوف" وفي حديث أبي ذر عند ابن حبان "وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث" وأما إرشاد السبيل، فروى الترمذي، وصححه ابن حبان من حديث أبي ذر مرفوعاً "وإرشادك الرجل في أرض الضلال صدقة" وأما كف الأذى، فالمراد به كف الأذى عن المارة، بأن لا يجلس حيث يضيق عليهم الطريق، أو على باب منزل من يتأذى بجلوسه عليه، أو حيث ينكشف عياله، أو ينكشف ما يريد ستره من حاله، قاله القاضي عياض، ويحتمل أن يكون المراد كف أذى الناس، بعضهم عن بعض. والله أعلم.
قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث حجة لمن يقول بأن سد الذرائع بطريق الأولى، لا على الحتم، لأنه نهاهم أولاً عن الجلوس، حسماً للمادة، فلما قالوا: "ما لنا منها بد" ذكر لهم المقاصد الأصلية للمنع، فعرف أن النهي الأول للإرشاد إلى الأصلح، ويؤخذ منه أن دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة، لندبه أولاً إلى ترك الجلوس، مع ما فيه من الأجر لمن عمل بحق الطريق، وذلك أن الاحتياط لطلب السلامة آكد من الطمع في الزيادة.
وقد عقب البخاري على هذا الحديث بباب الآبار التي على الطريق، إذا لم يتأذ بها، وساق حديث البئر الذي شرب منه العطشان، ثم سقى منه الكلب الذي كان يلهث من شدة العطش، ثم بباب إماطة الأذى، وساق حديث "يميط الأذى عن الطريق صدقة" لأنها تسبب سلامة من يمر به من الأذى، فكأنه تصدق عليه بذلك، فحصل له أجر الصدقة، ثم عقبه بباب الغرفة المشرفة وغير المشرفة في السطوح وغيرها. قال العلماء: حكم الغرف على السطوح المشرفة على الطرقات -أي والبلكونات- الجواز، إذا أمن من الإشراف على عورات الناس والمنازل، فإن لم يؤمن لم يجبر على سده، بل يؤمر بعدم الإشراف، ولمن هو أسفل منه أن يتحفظ، ثم عقبه بباب "من عقل بعيره على باب المسجد" -ومثل ذلك السيارات- وحكمة الجواز إذا لم يحصل به ضرر.