للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(وإذا استنصحك فانصح له) السين والتاء للطلب، أي إذا طلب منك النصيحة فعليك أن تنصحه، ولا تداهنه، ولا تغش، ولا تمسك عن بيان النصيحة.

-[فقه الحديث]-

قال القاضي عياض: في الحديث دليل على أن أمره صلى الله عليه وسلم لهم لم يكن للوجوب، وإنما كان على طريق الترغيب والأولى، إذ لو فهموا الوجوب لم يراجعوه هذه المراجعة، قال: وقد يحتج به من لا يرى الأوامر على الوجوب. قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن يكونوا رجوا وقوع النسخ، تخفيفاً، لما شكوا من الحاجة إلى ذلك، ويؤيده أن في مرسل يحيى بن يعمر "فظن القوم أنها عزمة" أي واجبة.

وقد اشتملت الرواية الأولى على ثلاث خصال: غض البصر، ورد السلام، وحسن الكلام، وزادت الرواية الثانية: كف الأذى، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وفي حديث لأبي هريرة: زاد: إرشاد السبيل، وتشميت العاطس إذا حمد، وفي حديث عمر عند أبي داود "وتغيثوا الملهوف"، وعند أحمد والترمذي "وأعينوا المظلوم" وعند البزار "وأعينوا على الحمولة" وعند الطبراني "ذكر الله كثيراً" و"واهدوا الأغبياء" قال الحافظ ابن حجر:

وقد اشتملت هذه الآداب على معنى علة النهي عن الجلوس في الطرق، من التعرض للفتن، بمرور النساء وخوف ما يلحق من النظر إليهن من ذلك، إذ لا يمنع النساء من المرور في الشوارع، لقضاء حوائجهن، ومن التعرض لحقوق الله والمسلمين، مما لا يلزم الإنسان إذا كان في بيته، ومن رؤية المنكر، وتعطيل المعروف، فيجب على المسلم الأمر والنهي عند ذلك، فإن ترك ذلك فقد تعرض للمعصية، وكذا يتعرض لمن يمر عليه، ويسلم عليه، فإنه ربما كثر ذلك، فيعجز عن الرد على كل مار، ورده فرض، فيأثم، والمرء مأمور بأن لا يتعرض للفتن، وإلزام نفسه ما لعله لا يقوى عليه، فندبهم الشارع إلى ترك الجلوس، حسماً للمادة، فلما ذكروا ضرورتهم إلى ذلك، لما فيه من المصالح، من تعاهد بعضهم بعضاً، ومذاكرتهم في أمور الدين ومصالح الدنيا، وترويح النفوس بالمحادثة في المباح، دلهم على ما يزيل المفسدة، من الأمور المذكورة. قال: ولكل من الآداب المذكورة شواهد في أحاديث أخرى -فإفشاء السلام ورده سبق في الباب قبله- وأما إحسان الكلام فقال القاضي عياض: فيه ندب إلى حسن معاملة المسلمين، بعضهم لبعض، فإن الجالس على الطريق يمر به العدد الكثير من الناس، فربما سألوه عن بعض شأنهم، ووجهة طريقهم، فيجب أن يتلقاهم بالجميل من الكلام، ولا يتلقاهم بالضجر وخشونة اللفظ، وهو من جملة كف الأذى.

قال الحافظ ابن حجر: وله شواهد من حديث أبي شرح هانئ، رفعه "من موجبات الجنة إطعام الطعام، وإفشاء السلام، وحسن الكلام"، ومن حديث أبي مالك الأشعري، رفعه "في الجنة غرف لمن أطاب الكلام" وفي الصحيحين من حديث عدي بن حاتم، رفعه "اتقوا النار، ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة" وأما تشميت العاطس فمضى مبسوطاً، وأما المعاونة على الحمل، فله شاهد في الصحيحين من حديث أبي هريرة رفعه "كل سلامي من الناس عليه صدقة" الحديث، وفيه "ويعين

<<  <  ج: ص:  >  >>