(ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي) أي في بيت عائشة، وكانت سودة تعلم أنه في بيت عائشة، فذهبت إليه هناك.
(وإنه ليتعشى، وفي يده عرق) بفتح العين وسكون الراء، وهو العظم عليه لحم، تقول: تعرقت العظم، وأعرقته إذا تتبعت ما عليه من لحم، والغرض من ذكره وقولها فيما بعد "وإن العرق في يده، ما وضعه" الإشارة إلى سرعة نزول الوحي بحكم الواقعة.
(أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن) في رواية البخاري "أن تخرجن لحوائجكن" قال الداودي: في صيغة هذا الجمع نظر، لأن جمع الحاجة حاجات، ولا يقال: حوائج، وتعقبه ابن التين فأجاد، وقال: الحوائج جمع حاجة أيضاً.
-[فقه الحديث]-
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس رضي الله عنه قال: "لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، دعا القوم، فطعموا، ثم جلسوا يتحدثون، وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام، فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، فلما قام قام من قام، وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل، فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا، فانطلقت، فجئت، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل، فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله تعالى:{يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه} أي غير منتظرين نضجه {ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا} أي فإذا أكلتم الطعام فتفرقوا، ولا تلبثوا {ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب}[الأحزاب: ٥٣] أي إذا سألتم نساء النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، أو أردتم أن تكلموهن، فكلموهن من وراء ساتر بينكم وبينهن، وتسمى هذه الآية عند المفسرين بآية الثقلاء، والحديث واضح في سبب النزول، وأخرج البخاري في الأدب المفرد والنسائي من حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يأكل معهما بعض أصحابه، فأصابت يد رجل يدها، فكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فنزلت. ولا مانع من تعدد أسباب نزول الآية الواحدة.
ونزلت آية الحجاب في السنة الخامسة من الهجرة على الصحيح، قال القاضي عياض: فرض الحجاب مما اختص به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذلك لشهادة ولا غيرها، ولا يجوز لهن إظهار شخوصهن، وإن كن مستترات، إلا ما دعت إليه الضرورة، من الخروج للبراز، قال الله تعالى {وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب}[الأحزاب: ٥٣] وقد كن إذا قعدن للناس جلسن من وراء حجاب، وإذا خرجن حجبن، وسترن أشخاصهن -في هودج ونحوه- كما جاء في حديث حفصة يوم وفاة عمر -إذ طلبت رضي الله عنها من النساء أن يسترنها عن أن يرى شخصها، أخرجه مالك في الموطأ، وأن زينب بنت جحش رضي الله عنها لما ماتت جعل لها قبة فوق نعشها، ليستر شخصها. اهـ