قال الحافظ ابن حجر: وليس فيما ذكره دليل على ما ادعاه، من فرض ذلك عليهن، وقد كن بعد النبي صلى الله عليه وسلم يحججن ويطفن، وكان الصحابة ومن بعدهم يسمعون منهن الحديث، وهن مستترات الأبدان، لا الأشخاص. اهـ
وحديث الباب يؤيد ما قاله الحافظ ابن حجر، فخروج سودة رضي الله عنها، بعد الحجاب، وكانت ساترة لجميع بدنها، غير حاجبة لشخصها، وكان حرص عمر رضي الله عنه على أن لا يبدين شخوصهن أصلاً، ولو كن مستترات، فبالغ في ذلك، فمنع منه، وأذن لهن في الخروج لحاجتهن، دفعاً للمشقة، ورفعاً للحرج.
-[ويؤخذ من الحديث]-
١ - منقبة ظاهرة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وشدة حرصه على الرسول صلى الله عليه وسلم، وغيرته على أمهات المؤمنين، وهذه إحدى موافقاته المشهورة. وعد الشيعة ما وقع منه رضي الله عنه من المثالب والنقائص، قالوا: لما فيه من سوء الأدب، وتخجيل سودة، حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإيذائها بذلك، وأجاب أهل السنة بأنه رضي الله عنه رأى أن لا بأس بذلك، لما غلب على ظنه من ترتب الخير العظيم عليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان أعلم منه وأغير لم يفعل ذلك، انتظاراً للوحي، وهو اللائق بكمال شأنه مع ربه عز وجل، ولو كان في فعل عمر رضي الله عنه ما يؤاخذ عليه، لوجهه وأرشده رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ينبغي.
٢ - وفيه تنبيه أهل الفضل والكبار على مصالحهم، ونصيحتهم، وتكرار ذلك عليهم.
٣ - وجواز تعرق العرق والعظم.
٤ - وجواز خروج المرأة من بيت زوجها، لقضاء حاجة الإنسان [التبرز ونحوه] إلى الموضع المعتاد لذلك بغير استئذان الزوج، لأنه مما لا يستغني عنه الإنسان، وقد أذن فيه الشرع.
٥ - أن كثيراً من القرآن الكريم كان ينزل جواباً عن أسئلة، أو حكماً لمسألة، أو حلا لمشكلة، وقد اختلف العلماء. متى نزلت آية الحجاب، فقيل: إنها نزلت حال قيام الثقلاء، أي أنزلها الله وقد قاموا، وفي رواية "فرجع، فدخل البيت، وأرخى الستر، وإني لفي الحجرة، وهو يقول {يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبي .. } إلى قوله {والله لا يستحيي من الحق}[الأحزاب: ٥٣].