وعلى القول الخامس المعنى: نحن أشد اشتياقا إلى رؤية ذلك من إبراهيم.
وعلى القول السادس والسابع: نحن أحق بطلب إظهار المنزلة ومدى إجابة الدعاء من إبراهيم، ولكننا لا نطلب ذلك.
وعلى القول التاسع المعنى: نحن أحق بطلب أن يحيي الله الموتى على يدي، ولكني لا أسأل ذلك اكتفاء بمعجزة القرآن.
وقيل المعنى: إذا لم نشك نحن فاعلموا أن إبراهيم لم يشك، أي لو كان الشك متطرقا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق بالشك منه، وقد علمتم أني لم أشك فاعلموا أن إبراهيم لم يشك، وإنما قال ذلك تواضعا، أو من قبل أن يعلمه الله بأنه أفضل من إبراهيم، ويؤيد هذا الأخير ما رواه مسلم عن أنس أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا خير البرية، فقال: "ذاك إبراهيم".
فيكون المراد نفي الشك عنه وعن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، وقد حكى بعض علماء العربية أن أفعل ربما جاءت لنفي المعنى عن الشيئين نحو قوله تعالى:{أهم خير أم قوم تبع}[الدخان: ٣٧] أي لا خير في الفريقين، والله أعلم
٣ - وأما عن لوط عليه السلام فقد قال النووي: إن لوطا صلى الله عليه وسلم لما خاف على أضيافه، ولم يكن له عشيرة تمنعهم من الظالمين ضاق ذرعه، واشتد حزنه عليهم، فغلب ذلك عليه، فقال في ذلك الحال:{لو أن لي بكم قوة} في الدفع بنفسي {أو آوي إلى ركن شديد} أي عشيرة تمنع لمنعتكم، وقصد لوط عليه السلام إظهار العذر عند أضيافه، وأنه لو استطاع دفع المكروه عنهم بطريق ما لفعله، وأنه بذل وسعه في إكرامهم والمدافعة عنهم، ولم يكن ذلك إعراضا منه صلى الله عليه وسلم عن الاعتماد على الله تعالى، وإنما كان لما ذكرنا من تطييب قلوب الأضياف، ويجوز أن يكون نسي الالتجاء إلى الله تعالى في حمايتهم، ويجوز أن يكون التجأ فيما بينه وبين الله تعالى، وأظهر للأضياف التألم وضيق الصدر. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: يقال: إن قوم لوط لم يكن فيهم أحد يجتمع معه في نسبه، لأنهم من سدوم وهي من بلاد الشام، وكان أصل إبراهيم ولوط من العراق، فلما هاجر إبراهيم إلى الشام هاجر معه لوط فبعث الله لوطا إلى أهل سدوم، فقال لقومه لما جاءته الأضياف: لو أن لي منعة وأقارب وعشيرة لكنت أستنصر بهم عليكم ليدفعوا عن ضيفاني، ولهذا جاء في بعض طرق الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال لوط: لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد قال: فإنه كان يأوي إلى ركن شديد ولكنه عنى عشيرته، فما بعث الله نبيا إلا في ذروة من قومه، ألم تر إلى قول قوم شعيب: ولولا رهطك لرجمناك. اهـ.
فالمراد من الركن الشديد في الآية عشيرته، فكأنه قال لقومه: لو أن لي عشيرة لدفعتكم بها وحميت بها ضيفي. والمراد من الركن الشديد في الحديث هو الله تعالى، والمعنى: يرحم الله لوطا لقد كان - حين قال هذا القول - يأوي في نفسه إلى الله تعالى، لكنه قال ما قال اعتذارا لضيفه.