ذكره الطبري واستدل عليه بما رواه عن ابن عباس قال: هذا لما يعرض في الصدور، ويوسوس به الشيطان.
وهذان القولان المثبتان للشك بعيدان عن القبول، لأن الشك في مثل هذا يبعد وقوعه ممن رسخ الإيمان في قلبه، فكيف بمن بلغ رتبة النبوة؟ وأيضا فإن السؤال لما وقع بكيف دل على حال شيء موجود مقرر عند السائل والمسئول، فليس فيه شك.
والحق أن الشك لم يقع أصلا، وفي توجيه السؤال قيل:
جـ- إنه أراد الطمأنينة بعلم كيفية الإحياء مشاهدة بعد العلم بها استدلالا، وهذا مذهب الإمام أبي منصور الأزهري.
د- وقريب منه ما قيل من أنه سأل الترقي من علم اليقين إلى عين اليقين فإن بين العلمين تفاوتا، أي سأل زيادة اليقين.
هـ - وقيل: إنه أحب رؤية هذه الحالة، وتطلعت نفسه إلى مشاهدتها كما يحب المؤمنون أن يروا الجنة مع الإيمان بها وبما يقع فيها، ومع زوال الشكوك تماما.
و- وقيل: إنه أراد إظهار منزلته عند ربه في إجابة دعائه، قال: أرني ذلك لأعلم أنك تجيب دعائي، وكأن الجواب: أولم تؤمن بأنك مجاب الدعاء؟
ز- وقريب منه ما قيل: إنه أراد إظهار عظم منزلته عند ربه واصطفائه وخلته، فكأنه قال: أرني ذلك لأعلم أني صفيك وخليلك، وكأن الجواب: أولم تؤمن بأنك صفيي وخليلي؟
ح- وقيل: إن نمروذ لما قال له: ما ربك؟ قال: "ربي الذي يحيي ويميت" سأل إبراهيم ربه ذلك ليرى النمروذ وقومه، فكأن المراد: أرني وقومي، ليطمئن قلبي بأنهم يعلمون أنك تحيي الموتى.
ط- وقيل: إن معناه أقدرني على إحياء الموتى، فتأدب في السؤال.
وقيل غير ذلك، لكن الأقوال الأربعة الأخيرة بعيدة. والله أعلم
٢ - وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "نحن أحق بالشك من إبراهيم" فعلى القولين الأولين المثبتين للشك يمكن حمل "نحن" على الأمة الذين يجوز عليهم الشك، وإخراجه هو منه بدلالة العصمة.
كما يمكن أن يراد به مجرد الدفاع عن إبراهيم عليه السلام، من غير قصد إثبات أحقية الشك، وذلك أنه لما نزلت الآية قال بعض الصحابة: "شك إبراهيم ولم يشك نبينا"، فقال صلى الله عليه وسلم: "نحن أحق بالشك من إبراهيم" وأراد ما جرت به العادة في المخاطبة لمن أراد أن يدفع عن آخر شيئا قال: كل ما تريد أن تقوله لفلان من الإساءة قله لي، ومقصوده لا تقل عليه شيئا.
وعلى القول الثالث والرابع والثامن المعنى: نحن أحق بطلب الطمأنينة وزيادة العلم واليقين من إبراهيم لكثرة المكذبين لنا والمنكرين للبعث.