كانت الظن بأنه من غير أولي الإربة، ومن غير الذين يدركون مفاتن المرأة، خطران محتملان في دخوله، خطر الرغبة في النساء مع التثني والتكسر، وخطر إدراك المفاتن ونعتها ووصفها للرجال الأجانب، كما فعل هذا المخنث، يؤكد الخطر الثاني قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثانية "أرى هذا يعرف ما ههنا" وكل من الخطرين يمنع دخوله على النساء. ولهذا يقول النووي في مكان آخر: وأما دخول هذا المخنث أولاً على أمهات المؤمنين فقد بين سببه في هذا الحديث بأنهم كانوا يعتقدونه من غير أولي الإربة، وأنه مباح دخوله عليهن، فلما سمع منه هذا الكلام علم أنه من أولي الإربة، فمنعه صلى الله عليه وسلم الدخول، ففيه منع المخنث من الدخول على النساء، ومنعهن من الظهور عليه، وبيان أن له حكم الرجال الفحول الراغبين في النساء، في هذا المعنى، وكذا حكم الخصي والمجبوب.
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم]-
١ - منع الرجال من التشبه بالنساء، ومنع النساء من التشبه بالرجال، قال الحافظ ابن حجر: وهو حرام اتفاقاً، وفي البخاري "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال" قال الطبري: والمعنى: لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة، التي تختص بالنساء ولا العكس. قال الحافظ ابن حجر: وكذا في الكلام والمشي، فأما هيئة اللباس فتختلف باختلاف عادة كل بلد، فرب قوم لا يفترق زي نسائهم من رجالهم في اللبس، لكن يمتاز النساء بالاحتجاب والاستتار، أما ذم التشبه بالكلام والمشي فيختص بمن تعمد ذلك، وأما من كان ذلك من أصل خلقته، فإنما يؤمر بتكلف تركه، والإدمان على ذلك بالتدريج، فإن لم يفعل وتمادى دخله الذم، ولا سيما إن بدا منه ما يدل على الرضا به.
قال: وأما إطلاق من أطلق -كالنووي- وأن المخنث الخلقي لا يتجه عليه اللوم، فمحمول على ما إذا لم يقدر على ترك التثني والتكسر في المشي والكلام، بعد تعاطيه المعالجة لترك ذلك، وإلا متى كان ترك ذلك ممكناً -ولو بالتدريج- فتركه بغير عذر لحقه اللوم.
وقال ابن أبي جمرة: ظاهر اللفظ الزجر عن التشبه في كل شيء، لكن عرف من الأدلة الأخرى أن المراد التشبه في الزي وبعض الصفات والحركات ونحوها، لا التشبه في أمور الخير. اهـ
واستدل به على أنه يحرم على الرجل لبس الثوب المطلل باللؤلؤ، قال الحافظ ابن حجر: وأما قول الشافعي: ولا أكره للرجل لبس اللؤلؤ، إلا لأنه من زي النساء، فليس مخالفاً لذلك، لأن مراده أنه لم يرد في النهي عنه بخصوصه شيء.
وفي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما "لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء، وقال: أخرجوهم من بيوتكم" قال: فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلاناً، وأخرج عمر فلانة. ففيه مشروعية إخراج كل من يحصل به التأذي للناس عن مكانه، إلى أن يرجع عن ذلك ويتوب.