للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اهبطا إلى الأرض معاً، فيها تحيون، وفيها تموتون، ومنها تخرجون.

ومنذ اللحظة الأولى على الأرض تساعد حواء آدم على المعيشة، يتحمل هو الأعمال الشاقة، وتتحمل هي ما تطيق، وكانت مهمتها الأساسية -لضعفها- أمور البيت، وتوالت العصور، وجاءت الرسالات وحاجات البيت من مهام حواء، حتى الإسلام بشريعته السمحة، وبإنصافه للمرأة، بل وبمحاباته لها، أقر عملها بالمنزل، تخبز، وتطبخ، وتغسل للزوج ولأطفالها، فها هي فاطمة بنت سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها تعمل في بيت زوجها علي، وتطحن الحب على الرحى، لتصنعه خبزاً، حتى مجلت يدها من الرحى، ذهبت تشكو إلى أبيها متاعبها، وتكشف له يدها، فلا يرفع عنها عملها، ولا يوصي علياً أن يعفيها، بل يطلب منها مواصلة العمل، والصبر، وذكر الله، وهذه أسماء بنت أبي بكر، وأخت عائشة، وقد تزوجت الزبير بن العوام بمكة، وأسلمت مثله في أوائل المسلمين تعين زوجها على الحياة بكل ما تستطيع، هاجرت إلى المدينة، وهاجر، وكان له فرس وجمل، لم تكتف بالطبخ في البيت والكنس والغسل وإعداد الطعام وتربية الأطفال، بل خرجت إلى المزارع، تحش الحشيش، وتجمع النوى من الأرض، وتحمله فوق رأسها إلى البيت، ثلاثة كيلو مترات ونصفاً، وهي ابنة من؟ ابنة الوزير الأول في الدولة، وعلى مسمع ومرأى من رئيس الدولة، لقد رآها صلى الله عليه وسلم يوماً، وعلى رأسها مكتل النوى، تئن بحمله، وتلهث من ثقله، وكان على ناقته ومعه بعض أصحابه، فأشار عليهم أن يتقدموا، وأناخ ناقته، وناداها، وطلب منها أن تركب خلفه بما تحمل، وغمرها الحياء، فاعتذرت في أدب، إن باعث النداء عليها الشفقة والرحمة، وهي أخت زوجته، محرمة عليه تحريماً مؤقتاً، ثم هو الرسول صلى الله عليه وسلم، مأمون الفتنة، لكنها امرأة، وليست كأية امرأة إنها ابنة أبي بكر، وزوجة رجل من أغير الناس على زوجته، فاعتذرت في حياء ورقة، إنه صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه ربه {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف

رحيم} [التوبة: ١٢٨] وهي التي تحترم زوجها في غيبته، وتحفظ مشاعره وهو بعيد عنها، فاعتذرت شاكرة مقدرة، إنه مع ركب من أصحابه، إن سار وسارت معهم ربما ظهر منهم أو منها ما يحرجها، وإن تخلف عنهم من أجلها ربما قذف الشيطان شيئاً في قلوبهم، كل هذا خطر في نفسها في لحظات، فاعتذرت، وهي مازالت تحمل المكتل بالنوى، ولم يكن بد من أن يقدر صلى الله عليه وسلم موقفها، ويعذرها، ويركب ناقته، ويدرك أصحابه، أما هي فاستعانت بالله على حملها، حتى وصلت متثاقلة به، ككل يوم، وجاء زوجها من سفره، فأخبرته بما جرى، فتقطع قلبه شفقة عليها، وكاد يذرف الدمع رحمة بها، وتحشرجت في صدره كلمات العطف والحنان: إن حملك النوى يا أسماء أصعب وأشق على نفسي من الركوب معه صلى الله عليه وسلم.

هكذا ربى الإسلام التعاون والتعاطف بين الزوجين، شركة لا تهتم بالحقوق والواجبات، ولا محاسبة بين طرفيها عن هذا لك، وهذا لي، شركة يبذل كل من طرفيها ما يقدر عليه، لإقامة حياة مستقرة، شركة ينتج منها ومن دم طرفيها أولاد، يصبحون أغلى نتائجها، ويرثون جهادها وكفاحها.

لا تقل: هل عمل الزوجة في بيت زوجها واجب عليها؟ أو كرم أخلاق منها؟ إن هذا السؤال من أحد طرفيها يفسدها، وإن التدخل الخارجي بالقوانين والمحاسبات هو الشرارة التي تحرقها، وإن حرص كل منهما على أن يأخذ من الآخر يزعزعها، بل يدمرها، وقانون هذه الشركة في السماء قوله

<<  <  ج: ص:  >  >>