تعالى:{ومن ءاياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}[الروم: ٢١].
-[المباحث العربية]-
(عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: تزوجني الزبير) بن العوام بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي، أبو عبد الله، ابن عمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمه صفية بنت عبد المطلب، أسلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وهاجر الهجرتين ولم يتخلف عن غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة الذين جعل عمر الخلافة فيهم من بعده، كان تاجراً، بارك الله له في أمواله في أواخر حياته، كان في جيش عائشة وانسحب من القتال، فاغتاله رجل وهو في طريقه عائداً، وتوفي وسنه ست وستون.
أما أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- فهي أخت عائشة لأبيها، وأمها قتيلة بنت عبد العزى، أسلمت قديماً بمكة، بعد سبعة عشر نفساً، وتزوجها الزبير بن العوام، وهاجرت وهي حامل منه، بولده عبد الله، وعاشت إلى أن ولي ابنها الخلافة، ثم إلى أن قتل، وماتت بعده بقليل، وكانت تلقب بذات النطاقين، لدورها في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
(وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير فرسه)"في الأرض" أي على ظهر الأرض، أي في الدنيا، و"من مال""من" زائدة، و"مال" اسم "ما" بمعنى "ليس" و"المملوك" الرقيق من العبيد والإماء، وهو هنا من عطف الخاص على العام، وقال الحافظ ابن حجر: المراد بالمال هنا الإبل، أو الأراضي التي تزرع، وهو استعمال معروف للعرب، يطلقون المال على كل من ذلك. اهـ فهو من عطف المغاير، وقولها بعد ذلك "ولا شيء" من عطف العام على الخاص، يشمل كل ما يتملك، أو يتمول، لكن الظاهر أنها لم ترد ما لا بد منه في المعيشة، من مسكن وملبس ومطعم، ورأس مال تجارة، وهي هنا لم تستثن الناضح -وهو الجمل الذي يستقى عليه، مع أنها تقول في الرواية نفسها "وأدق النوى لناضحه"، ووقع استثناؤه في رواية البخاري، ولفظها "ولا شيء غير ناضح، وغير فرسه" وقولها "تزوجني الزبير وما له في الأرض ... غير كذا" يفيد أنه لم يكن يملك حين زواجه بها سوى هذا، فالجملة حال مقارنة، واستشكل الدودي على هذا، فقال: لم يكن له بمكة فرس ولا ناضح، ففي استثنائها لهما نظر، وأجاب الحافظ ابن حجر بأنه لا مانع من أن يكون الفرس والجمل كانا له بمكة، قبل أن يهاجر، فقد ثبت أنه يوم بدر كان على فرس، ولم يكن قبل بدر غزوة يحصل من غنيمتها على فرس، والجمل يحتمل أن يكون كان له بمكة، ولما قدم به المدينة، وأقطع الأرض، أعده لسقيها، وكان ينتفع به قبل ذلك في غير السقي، فلا إشكال.
(فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤنته، وأسوسه) يقال: ساس الدواب، يسوسها، إذا راضها وأدبها، والمراد من كفاية مؤنة الفرس أنها كانت تقوم بحش الحشائش له، وجمع النوى المتساقط على الأرض من آكلي التمر والبلح، وتحمله فوق رأسها من الأرض المزروعة إلى البيت، وتدق النوى، وتقدمه علفاً للفرس والناضح، وتحمل الماء من البئر من خارج الدار، فتسقي الفرس والناضح، ومن في