(ما مثله آمن عليه البشر)"ما" موصولة، وقعت مفعولا ثانيا لأعطي و"مثله" مبتدأ، و"آمن" خبره، والجملة صلة الموصول، والمثل يطلق ويراد به عين الشيء، وما يساويه، والمعنى: أن كل نبي أعطي آية أو أكثر، من شأنها أن يؤمن بالنبي لأجلها من يشاهدها.
فلفظ "على" في قوله "عليه" بمعنى اللام أو الباء، والنكتة في التعبير هنا بـ "على" تضمنها معنى الغلبة، أي يؤمن بذلك مغلوبا مدفوعا بتأثيرها.
ورواية مسلم "آمن" بمد الهمزة وفتح الميم من الإيمان، وجاء في رواية البخاري "ما مثله أومن - أو آمن - عليه البشر" بالشك من الراوي، فالأولى بضم الهمزة وسكون الواو وكسر الميم من الأمن، وحكي بعضهم أمن بفتح الهمزة من غير مد، وكسر الميم من الأمان.
(وإنما كان الذي أوتيت وحيا)"أوتيت" بحذف الهاء وهي المفعول الثاني، وفي رواية أوتيته بذكرها، والجملة صلة الموصول و"وحيا" خبر كان والمراد به القرآن، ومعنى الحصر أن القرآن أعظم المعجزات وأفيدها وأدومها، لاشتماله على الدعوة والحجة ودوام الانتفاع إلى آخر الدهر، فلما كان لا شيء يقاربه، فضلا عن أن يساويه، كان ما عداه بالنسبة إليه كأن لم يقع، فالقصر ادعائي، أو المراد إنما معجزتي التي تحديت بها على مر الزمان هي الوحي والقرآن، فالقصر حقيقي.
(أوحى الله إلي) الجملة صفة "وحيا" والرابط مفعول أوحى محذوف ذكر في رواية البخاري ولفظها "أوحاها الله إلي".
(فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة) في رواية للبخاري "فأرجو أني أكثرهم تابعا يوم القيامة" والفاء في فأرجو لترتيب رجائه هذا على أن معجزته القرآن الذي يعم نفعه من حضر ومن غاب ومن وجد ومن سيوجد.
-[فقه الحديث]-
قال الحافظ ابن حجر: ليس المراد حصر معجزاته صلى الله عليه وسلم في القرآن، ولا أنه لم يؤت من المعجزات ما أوتي من تقدمه، بل المراد أنه المعجزة التي اختص بها دون غيره، لأن كل نبي أعطي معجزة خاصة به، لم يعطها بعينها غيره، تحدى بها قومه، وكانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال قومه، كما كان السحر فاشيا عند فرعون، فجاءه موسى بالعصا على صورة ما يصنع السحرة، لكنها تلقفت ما صنعوا، ولم يقع ذلك بعينه لغيره، وكذلك إحياء عيسى الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، لكون الأطباء والحكماء كانوا في غاية الظهور فأتاهم من جنس عملهم بما لم تصل قدرتهم إليه.