للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الفعل عنها، وبإضافته إلى الله تعالى، فمن قطع من أمة الإسلام بانبعاث الجواهر فقد أخطأ في قطعه، وإنما هو من الجائزات. اهـ

وهكذا نجد النووي ينفي الفعل والتأثير عن الأسباب عامة -كما هو مذهب أهل السنة- ويجعل الفاعل الحقيقي هو الله وحده لجميع الأفعال الاختيارية، وليس للمخلوقات إلا مقارنة قدرة المخلوق للفعل، دون أي تأثير، حتى النار، إذا حرقت فالحارق هو الله تعالى وحده عند ملامستها، ولذلك كانت برداً وسلاماً على إبراهيم عليه السلام، أما كون الأسباب مؤثرة بذاتها، بقدرة وصلاحية وقوانين أودعها الله فيها، وبإرادة الله تعالى، فهذا رأي آخر، ليس فقط في العين والحسد، ولكن في عموم المخلوقات والأسباب.

قال الحافظ ابن حجر: وقد أجرى الله تعالى العادة بوجود كثير من القوى والخواص في الأجسام والأرواح، كما يحدث لمن ينظر إليه من يحتشمه من الخجل، فيرى في وجهه حمرة شديدة، لم تكن قبل ذلك، وكذا الاصفرار عند رؤية من يخافه، وكثير من الناس يسقم، وتضعف قواه، بمجرد النظر إليه، وكل ذلك بواسطة ما خلق الله تعالى في الأرواح من التأثيرات، ولشدة ارتباطها بالعين نسب الفعل إلى العين، وليست هي المؤثرة، وإنما التأثير للروح، والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها، فمنها ما يؤثر في البدن، بمجرد الرؤية، من غير اتصال به، لشدة خبث تلك الروح وكيفيتها الخبيئة، والحاصل أن التأثير بإرادة الله تعالى وخلقه ليس مقصوراً على الاتصال الجسماني، بل يكون تارة به، وتارة بالمقابلة، وأخرى بمجرد الرؤية، وأخرى بتوجه الروح، كالذي يحدث من الأدعية والرقى واللجوء إلى الله، وتارة يقع ذلك بالتوهم والتخيل، فالذي يخرج من عين العائن سهم معنوي (غير مسلم) إن صادف البدن، حيث لا وقاية له، أثر فيه، وإلا لم ينفذ السهم، بل ربما رد على صاحبه، كالسهم الحسي سواء بسواء. اهـ وما يقال في تأثير العين، يقال في تأثير الحسد بكل حال.

أقول: وقد وصل العلم الحديث إلى اختراع آلة (ريموت كنترول) صغيرة، تحرك بها سيارة من بعد، وتسير بها طائرة وأنت على الأرض، بل تصلح بمثلها خللاً وعطباً حصل في سفينة الفضاء، وأنت لا ترى جوهراً ولا عرضاً بين الآلة وبين المتأثر بها، هذا في الخلق، فكيف يستبعد في صنعه الخالق؟ فتبارك الله أحسن الخالقين.

٢ - النقطة الثانية من فقه الحديث حكم الرقية، وعنها يقول النووي: وقد نقلوا الإجماع على جواز الرقى بالآيات وأذكار الله تعالى. اهـ والرواية الأولى "كان إذا اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقاه جبريل" والرواية "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى منا إنسان، مسحه بيمينه، ثم قال: أذهب الباس، رب الناس" والرواية وخمس بعدها بنحو ذلك والرواية، "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر عائشة أن تسترقي" وفي الرواية أمر بالرقية. وبقية الروايات ترخص أو تأمر بالرقية، مما يؤكد نقل الإجماع بجوازها.

لكن ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الرقى، والرواية تشير إلى ذلك، وروى البخاري "أن سبعين ألفاً من أمة الإسلام يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، كانوا لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>